Tuesday, July 29, 2025

الصفة القانونية لعضوية فلسطين في الفيفا ودور اتفاقات أوسلو فيها

                                                                                                                                                           

 عصام الخالدي 


 من المؤكد أن أي نجاح تحققه فلسطين على صعيد دولي يعتبر شوكة في حلق إسرائيل ، لذلك فقد برزت بعد قبول فلسطين في الاتحاد الدولي لكرة القدم بعض الآراء التي تشكك وتنتقد المصداقية القانونية لهذه العضوية ، على أرضية أن فلسطين ليست دولة مستقلة ، لا يتوفر لديها كل المتطلبات والمعايير التي تؤهلها لتصبح عضواً في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أو منظمات دولية أخرى  (سواء رياضية ام غير رياضية).

  وما يدحض هذه الادعاءات هو وجود قوانين دولية ووثائق تثبت أن فلسطين لها كامل الحق في هذه العضوية التي أتت بعد رحلة شاقة منذ عام 1945 (عندما تقدم الاتحاد الرياضي الفلسطيني - العربي ، ولكن طلبه ووجه بالرفض بسبب وجود الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي كان يهيمن عليه الصهاينة والذي كان يمثل فلسطين كعضوٍ في الفيفا) وحتى عام 1998.  ومن المعروف أنه تم رفض طلب فلسطين في بداية الخمسينات بعد ضم الضفة إلى الأردن، وفي غزة - تحت الإدارة المصرية في الستينات في ذلك الوقت عندما كانت غزة تشكل مركز ثقل الحركة الرياضية ،  وفي الشتات – لبنان - في سبعينات وثمانينات القرن الماضي . كل ذلك تحت حجة أنه ليس هناك دولة أسمها فلسطين. [1]

  أيضاً ، فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) باعتباره منظمة غير حكومية ملزم قانونيا بقبول طلبات العضوية من الدول التي ترغب في الانضمام، ولكن الواقع هو أن العملية معقدة ومملة عمداً، ويبدو أن الهدف من ذلك هو ثني الدول عن التقدم بطلبات الانضمام في المقام الأول.[2]

 

  كانت هناك معايير معينة كان على الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أن يستوفيها لكي يصبح عضوًا في الاتحاد الدولي لكرة القدم.  ووفقاً للفقرة  10 البند الأول في القانون الداخلي للاتحاد الدولي لكرة القدم فأنه: يجوز لأي اتحاد مسؤول عن تنظيم كرة القدم والإشراف عليها في بلده أن يصبح عضوا في الاتحاد الدولي لكرة القدم. وبالتالي، يوصى بأن تشرك جميع الاتحادات الأعضاء جميع أصحاب المصلحة ذوي الصلة بكرة القدم في هيكلها الخاص ، ويتم الاعتراف باتحاد واحد كاتحاد عضو في كل بلد. [3] أيضا فإن احدى متطلبات الفيفا تنص على أنه لا يُسمح بالعضوية إلا إذا كان الاتحاد عضوًا حاليًا في اتحاد قاري على الأقل لمدة عامين. [4]  

 

  من المعروف أن للفيفا الفضل في منح بعض الدول نفوذاً أكبر من نفوذ الأمم المتحدة. [5] وفي هذا السياق يزعم الباحث غلين دوير Glen Duerr  أن الأمم المتحدة تضم 192 عضواً [حاليا 193 وعضوان مراقبان احدهما فلسطين]، في حين تضم الفيفا الهيئة الحاكمة لكرة القدم 208 أعضاء  [حاليا 211]. ومن بين الأسباب التي أدت إلى هذا التفاوت في الأرقام أن الفيفا تسمح لبعض المناطق ذات الظروف السياسية الخاصة باللعب جنباً إلى جنب مع دول أخرى معترف بها "بشكل قانوني" في العالم. ومن الأمثلة على ذلك فلسطين. والأمر الأكثر أهمية هو أن المشاركة المستمرة للمنتخب الوطني تساعد في الحفاظ على الشعور بالهوية الوطنية بين الفلسطينيين ، وتمنحهم سبباً إيجابياً للاحتفال. وثانياً، توفر كرة القدم، وخاصة على مستوى الشباب، آلية للتفاعل السلمي مع جيرانهم الإسرائيليين، وهو ما قد يساعد في بناء الجسور بين المجتمعين وحل الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط. [6]

     يشير باحث القانون الدولي أكهورست Akehurst أنه هناك اتفاق عام في المجتمع الدولي على أن الدولة المستقلة لابد وأن تتمتع بخصائص معينة حتى تحظى بالاعتراف الدولي.  وتشمل هذه الخصائص إقليماً محدداً ، وسكاناً ثابتين ، وحكومة قائمة ، والقدرة على الدخول في علاقات مع دول أخرى. [7] كما درس زميله الباحث القانوني فرانسيس بويل Francis Boyle (الذي كان مستشاراً للوفد الفلسطيني خلال مفاوضات مدريد 1991 – 1993) المطالب الفلسطينية لإقامة الدولة وخلص إلى أن هذه المعايير مستوفاة ، على الرغم من الظروف الخاصة للتاريخ الفلسطيني ، وأن المادة 80 (1) من ميثاق الأمم المتحدة والمادة 22 (4) من ميثاق العصبة يؤكدان ذلك. [8]

   وكما تشير موسوعة الويكبيديا فإن فلسطين ، رسمياً دولة فلسطين ، هي دولة تقع في غرب آسيا ، تحظى باعتراف 147 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة ، وتشمل الضفة الغربية المحتلة من قبل إسرائيل ، بما فيها القدس الشرقية ، وقطاع غزة ، والمعروفين مجتمعين باسم الأراضي الفلسطينية المحتلة. [9] وناهيك عما تذكره الويكبيديا فإن فلسطين هي عضو مراقب في الأمم المتحدة ، لها تاريخ وشعب وعَلَمٌ ونشيدٌ وطني. 


    ومن الجدير بالذكر أيضا أن العضوية في الاتحاد الدولي لكرة القدم لا تستند من الناحية الفنية إلى إقامة الدولة ، ولكن العملية تقوم على إقامة الدولة وتخضع لسلطة المنظمات الوطنية المعترف بها. وتشمل عضوية الفيفا أيضاً اتحادات كرة قدم من مناطق ليست دولاً مستقلة. على سبيل المثال ، المملكة المتحدة ، واسكتلندا ، وويلز ، وإنجلتزا ، وأيرلندا الشمالية ، ولكل منها اتحادها الخاص لكرة القدم ، أعضاء في الفيفا على الرغم من أن المملكة المتحدة عضو واحد في الأمم المتحدة. وبالمثل ، تتمتع أقاليم تابعة للولايات المتحدة مثل بورتوريكو وغوام ، بعضوية منفصلة في الفيفا. ويمتد شمول الفيفا ليشمل دولاً معترفاً بها جزئياً أو غير معترف بها مثل كوسوفو ، مما يبرز استقلالية في حوكمة الرياضة. [10]

  لقد تطور هيكل الفيفا مع التطور التاريخي لكرة القدم ، فمن المعروف أن اتحادات كرة القدم قد تأسست قبل أن تحظى بلدانها بالاعتراف الدولي أو عندما كانت أقاليم مستقلة. وقد أدت الأهمية الثقافية للرياضة وتطورها الإقليمي إلى نشوء اتحادات كرة قدم منفصلة ضمن دول ذات سيادة واحدة. [11]

 

اتفاقيات أوسلو والعضوية

  هناك سؤال يطرح في هذا السياق وهو إلى أي مدى ساهمت اتفاقيات أوسلو في تسريع قبول فلسطين في الفيفا؟ وهل كان من الممكن رفض طلب فلسطين أو تأجيله لمدة أطول لو لم يتم التوقيع على اتفاقيات أوسلو؟

   من المعروف أن السلطة الفلسطينية قد اكتسبت أهمية سياسية بعد تشكيلها كهيئة حاكمة مؤقتة عام ١٩٩٣. ونتيجةً لذلك، بدأت الفيفا والمنظمات الدولية الأخرى تنظر إلى فلسطين كدولة وأمة ذات سيادة. وكما يشير الكاتب هاني المصري: "لقد تحولت منظمة التحرير الفلسطينية من جماعة ثورية تسعى إلى التغيير من خلال الكفاح المسلح، إلى لاعب سياسي دولي، يعتمد بقاؤه على شرعيتها في نظر المجتمع الدولي أكثر من شعبيته بين الفلسطينيين."[12]

 

وفي ضوء ذلك ، يبدو أن انضمام فلسطين إلى الفيفا (وكذلك إلى اللجنة الأولمبية الدولية) قد سُهِّل وسُرِّع نتيجةً لاتفاقيات أوسلو. للأسف لا توجد هناك أدلة مقنعة لإثبات هذا الرأي سوى بعض التكهنات التي من البديهي أن تكون لها مصداقية ، معتمدة على آراء نخبة من السياسيين والمثقفين حول دور اتفاقات أوسلو وآثارها على الشعب الفلسطيني بشكل عام . وبالتأكيد بعد هذه النكسات التي ابتلينا بها من جراء هذه الاتفاقيات فقد يبرز هناك سؤال وجيه ألا وهو: هل علينا أن نتعامل مع أي نتيجة "إيجابية" لاتفاقات أوسلو كأمر واقع؟ وهذا يذكرنا بما كتبه المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد في احدى مقالاته لصحيفة (الحياة) في عام ١٩٩٦وضمها لاحقاً في كتابه "نهاية عملية السلام – أوسلو وما بعدها":

 "تعرضت لانتقادات من أصدقاء محترمين مثل الدكتور حيدر عبد الشافي وآخرين لعدم اهتمامي بما يكفي بمشاكل ما يجب القيام به الآن من الناحية العملية. ويقولون إن أوسلو حقيقة واقعة ، ويتعين علينا أن نتعلم كيف نعيشها ونتعامل معها. بالنسبة لي هذا ببساطة تهرب من النقطة الأساسية، وهي أن "الواقع" يجب تحسينه وتغييره، وليس التكيف معه. [13]

 

    هناك اختلاف في السياق بين ما جرته علينا اتفاقات أوسلو من نتائج وخيمة وبين دورها في قبول فلسطين في الاتحاد الدولي لكرة القدم ، فبرغم أنها سهلت وسرّعت من قبول فلسطين في الفيفا ، إلا أنها لم تكن العامل الأساسي في قبولها ، فهناك عوامل تاريخية ونضالية وقانونية وتنظيمية أخرى كان لها الأثر الأكبر في القبول الذي كان له آثاراً جليلة على الرياضة الفلسطينية وعلى مكانة فلسطين في الخارطة الرياضية في العالم. وفي نهاية المطاف فإن عضوية فلسطين في الفيفا تدحض الادعاءات المزعومة بأنها تفتقر المقومات والمؤهلات لأن تكون عضوا في المنظمات الدولية. 

 

المراجع


[1]  عصام الخالدي ، فلسطين وعضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) History of Palestine Sports: فلسطين وعضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) 1946- 1998

[3] FIFA Statutes, September 2020 Edition, fifa-statutes-2020.pdf

[4]  نفس المصدر ، دخلت فلسطين في عضوية الاتحاد الآسيوي لكرة القدم في عام 1998. أي قبل قبولها في الفيفا بعدة أشهر.

[6] Glen M. E. Duerr. “Playing for Identity and Independence: Palestinian Statehood and the Role of FIFA.” http://www.kent.edu/polisci/people/glen-duerr.cfm

[7] M. Akehurst, A Modern Instruction to International Law (London: Routledge, 1987), cited in Francis A. Boyle, Palestine, Palestinians, and International Law (Altanta: Clarity Press, 2003), 31.

[8] Francis Boyle, Palestine, Palestinians, and International Law, (Altanta: Clarity Press, 2003), 31.

[13] Edward Said, The End of The Peace Process, Oslo and After, (New York: Vintage Books, 2000) p. 67.  

No comments:

Post a Comment