Sunday, April 17, 2022

يعقوب نمّر: قصة لاعب عربي فلسطيني في المنتخب الإسرائيلي لكرة السلة

 


عصام الخالدي 

    في كتابه "مولود في القدس" Born in Jerusalem بالإنجليزية الصادر عن دار النشر(أوليف برانش برس) يروي يعقوب نمر (ولد عام 1941) ذكريات طفولته في مدينة القدس قبل عام 1948 وبعده ، والذي أصرت عائلته أن تبقى بعد النكبة في القدس الغربية وفي نفس الحارة التي كانت تقطنها (حارة النمامرة) ، ولكن هذه العائلة مثل الكثير من العائلات التي بقيت في فلسطين بعد عام 1948 فقد تعرض افرادها للاعتقالات والمضايقات ومصادرة بيوتهم وأراضيهم (التي اصبحت ضمن املاك الغائبين) وحرمت من العمل ومن حق التعبير . اعتقل والد يعقوب وأخوه مهران لمدة سنتين ونصف وانتهى بهما المطاف إلى أن اطلق سراح الابن ، كما وتم إبعاد الأب إلى القدس الشرقية، ولكن بعد عدة سنوات استطاع العودة إلى القدس الغربية ، وعاش بعدها لعدة سنوات إلى أن توفي في عام 1961. وبسبب المضايقات المستمرة وفقدان القدرة على العمل والاحساس بأن هؤلاء الناس اصبحوا غرباء في وطنهم الذي ولدوا وترعرعوا به دفعهم جميعا إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة ، وكان يعقوب هو آخر افراد العائلة الذين رحلوا عن القدس.

   إن الذي دفعني لتعريف القارىء بهذه المذكرات هو السيرة الرياضية ليعقوب نمّر واستطاعته ان يتفوق في السباحة وكرة السلة ليصبح العربي الوحيد عضوا في الفريق الوطني الإسرائيلي لكرة السلة في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات ، ولكن الكثير من اليهود الذين تأثروا بالفكر الصهيوني وبالروح العنصرية وسياسة الابارتايد لم يرق لهم أن يروا عربي فلسطيني في فريقهم لذلك قرروا ازاحته منه.

ضمن هذه المذكرات يروي يعقوب نمّر:

عندما كنت في الخامسة عشر من عمري تركت فريق السباحة واتجهت إلى كرة السلة ، وبعد عامين أصبحت أصغر وأفضل لاعب في فريق جمعية الشبان المسيحية في القدس الذي شارك في فرق الدرجة الممتازة في البلاد. وبفضل السرعة والرشاقة التي تميزت بها اخترت أن ألعب كدفاع. كنت أجيد نطنطة الكرة بكلتا يدي ودخول جيد إلى السلة. كنت أساعد جيدا زملائي وأجيدُ القفز للتصويب. أخي داود وبعض زملائي كانوا يأتون بانتظام ليشاهدوا أدائي.

    عندما اصبحت في الثامنة عشر من عمري قرر المسؤول الرياضي في جمعية الشبان المسيحية في القدس أن يرسلني إلى دورة تدريبية في معهد الرياضة (وينغيت) الذي كان هو المعهد الرئيسي في البلاد . وعندما انهيت التدريب وحصلت على الشهادة عينت كمساعد للمشرف الرياضي في جمعية الشبان المسيحية في القدس ، وبالإضافة إلى عملي في هذه الجمعية فقد اشرفت على العديد من الرياضات للمئات من الأطفال ، كما وقمت بتدريب فريق الناشئين الذي فيما بعد اصبح من أفضل فرق الناشئين في مدينة القدس. وكان اللاعبون من المسيحيين والمسلمين واليهود الذين اصبحوا اصدقاء قد اصبحوا أفضل المشجعين لي خلال مبارياتي في كرة السلة. وبسبب نجاحي كلاعب سلة في الجمعية استطعت وبسرعة أن اصبح لاعبا في أقوى الفرق التي كانت ضمن الاتحاد الإسرائيلي لكرة السلة. وكان في مدينة القدس فريقان قويان هما (هابوعيل) القدس الذي كان يتبع حزب العمل و(مكابي) القدس من حزب "حيروت". حاول كل منهما أن يجذبني إلى فريقيه ، وبالرغم من أنني لم أكن أهتم بالسياسة ولا بهذين الحزبين إلا أنني آثرت أن انضم إلى الهابوعيل . كانت عندي مشاعر مختلطة ووقت صعب لأصمم إذا ما كنت سألعب مع فريق يهودي ، فمن جهة كنت اللاعب الفلسطيني الوحيد في كرة السلة في كل البلاد. ومن جهة أخرى أردت أن أن احسن أدائي الرياضي لأثبت أنني أستطيع أن أكون لاعبا جيدا. لقد كان قراري أن ألعب مع هابوعيل القدس في الاتحاد الوطني صحيحا حيث أصبحت فيما بعد واحد بين خمسة نجوم في الفريق وأحد الهدافين لهذا الفريق. والأهم من ذلك أنني كنت أول لاعب كرة سلة غير يهودي في الاتحاد والبلاد ، وقد سافرنا عبر البلاد ولعبنا ضد الفرق من تل أبيب وحيفا والكيبوتسات (مزارع تعاونية) ومدن أخرى بحيث اصبحت نجما في كرة السلة برز اسمه في الصحف والمجلات الرياضية ولقب بنمر القدس – بالعبرية نمر لها نفس المعنى كما في العربية.

   بعد ذلك اخترت أن أنضم إلى الفريق الوطني الإسرائيلي ، وصنفت واحد من أفضل سبعة لاعبين في البلاد. بذلت مجهودا كبيرا في التدريب وتفوقت في اللعب بشكل ملحوظ. ولكن في أحد الأيام تم تنحيتي فجأة عن التدريب بدون ذكر للأسباب ، وبعد أسبوعين تم إبعادي نهائيا عن الفريق الوطني . واستطعت أن أعرف من المدرب الأمريكي لهذا الفريق بأنه بما أن هذا الفريق يُموّل من قبل اليهود الأمريكيين فإنه ليس من المحبذ للاعب فلسطيني أن يمثل الدولة العبرية في الألعاب الأولمبية القادمة [1962]. وخلال تدريباتي مع فريق الهابوعيل بدأت أشعر بالتمييز العنصري ليس فقط من قبل اعضاء الفريق والمشجعين فحسب ، بل ومن الحكام أيضا. وكنت اسمعهم يقولون : "أوقفوه ، أوقفوه عن التصويب" ، "أنت لا تمثل إسرائيل إذهب إلى بيتك". أصبح الحكام يحاولون تخطيئي عمدا ، وكان مدرب الفريق ديفيد كرواس واللاعبين متعاطفين معي ويكنون لي الاحترام. فهم كانوا يشعرون بالأسف ويطلبون مني ان اتجاهل هؤلاء "اليهود المتعصبين الحقراء" كما كانوا يسمونهم . للأسف أن التمييز وصل إلى درجة لم يكن باستطاعتي أن أطيقها ، فلم استطع اللعب في بلد أنا مكروه فيه بسبب عرقي وديني ، خاصة في مدينتي وأرضي. شعرت بأنه من السهل التمييز ضد فلسطيني عنده كبرياء ، ولكن من الصعب أن يُمحى ويُدمر تاريخ وذاكرة أمه بكاملها. ومنذ ذلك الحين بدأت أفكر بمغادرة القدس ، لأترك كل شيء خلفي من أجل أن اكمل تعليمي وهذا ما شجعتني أمي عليه.

يعيش يعقوب نمّر حالياً في مدينة سان انتونيو في الولايات المتحدة ويكرس معظم وقته للدفاع عن قضايا شعبنا العادلة.

 

 

    

 

 

 

No comments:

Post a Comment