Sunday, April 24, 2022

الرياضة الفلسطينية ودورها في حركة المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات BDS

     

     عصام الخالدي


     من الصعب تجاهل الدور الذي يمكن أن تلعبه الرياضة في وقتنا الحاضر في محاربة العنصرية وفي حركة التحرر الوطني ، وقد اثبتت التجربة الفلسطينية أن الرياضة لم تكن وسيلة في إبراز الهوية الوطنية فحسب، بل أيضاً أداة للتصدي ومواجهة الاحتلال وفضح ممارساته القمعية التعسفية ، كما وأصبحت الرياضة لاعباً فعالاً في حركة المقاطعة Boycott, Divestment and Sanctions BDS  وسحب الاستثمار وفرض العقوبات   في عام 2005 ، دعت منظمات المجتمع المدني الفلسطيني إلى المقاطعة كشكل من أشكال الضعط غير العنيف على إسرائيل ، وتم إطلاق حركة المقاطعة من قبل 170 نقابة فلسطينية وشبكات اللاجئين والمنظمات النسائية والجمعيات المهنية ولجان المقاومة الشعبية وهيئات المجتمع المدني الفلسطينية الأخرى. هذه الحركة مستوحاة من حركة جنوب إفريقيا المناهضة للفصل العنصري ، تحت دعوة المقاطعة الفلسطينية (BDS) للضغط غير العنيف على إسرائيل حتى تتماثل أمام القانون الدولي. [1]   

      

    كانت للنشاط الرياضي منذ نشوئه في فلسطين وظائف عديدة أهمها الاجتماعية والثقافية والوطنية. وبدأت ملامح الوظيفة الوطنية تتجلى منذ ثلاثينيات القرن الماضي كرد على الهيمنة الصهيونية على الحركة الرياضية الفلسطينية ، لتصبح الرياضة فيما بعد وسيلة هامة من أجل إبراز وإثبات الهوية الوطنية الفلسطينية وجزء لا يتجزأ من النضال الفلسطيني على الساحة المحلية والعربية والدولية بعد النكبة. وقد كانت مشاركات فلسطين في دورات الألعاب العربية التي كان اولها عام 1953 في القاهرة ، والسعي الدؤوب للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم منذ الستينات شكلا من أشكال النضال وإثبات الهوية الوطنية الفلسطينية. وتذكرنا الفترة التي لم يعترف بها العالم بمآسي شعبنا وتنكره لحقوقه بما قاله الرئيس الراحل ياسر عرفات عن نادي الوحدات (تأسس عام  1956 في مخيم الوحدات في الأردن) "عندما لم يكن لنا صوت كان الوحدات صوتنا".

      على مدار سنوات طويلة ، عملت الأسرة الرياضية العربية ، ومعها كل أنصار فلسطين من الاتحادات الرياضية المختلفة على طرد الكيان الصهيوني من مختلف الاتحادات الرياضية، وصولا إلى إخراجها من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ، بفضل المقاطعة العربية، ومقاطعة الأطر الرياضية الصديقة للشعب الفلسطيني والمناصرة لقضيته ، وذلك في العام 1991 ، وهو ما عالجته المنظومة الاستعمارية المناصرة للكيان الصهيوني ، وهو ما احتفي به كل فلسطيني بما في ذلك المنظومة الرسمية لإدارة الرياضة الفلسطينية. [2]

 

        لقد ساهمت مبادرات المقاطعة التاريخية في فلسطين في تخطي حدود فلسطين التاريخية، وأثرت في منظمات إقليمية ، مثل جامعة الدول العربية لمقاطعة إسرائيل ، كما أثرت هذه المنظمة الإقليمية (جامعة الدول العربية) في دول كثيرة حول العالم، أو في شركات قامت بمقاطعة إسرائيل. ابتدأت المقاطعة الفلسطينية للمشروع الصهيوني باكراً في فلسطين منذ بدايات الهجرة اليهودية إلى هذا البلد (1882 – 1903) ، لكنها كانت ذات طابع عفوي ومشتت. وفي الموجة الثانية للهجرة اليهودية ، بدأت هذه المقاطعة تشهد تنظيماً ، ففي سنتي 1909 و1910 بدأ إنشاء منظمات محلية لمنع بيع الأراضي لليهود وللمناداة بمقاطعة المنتوجات اليهودية. [3] وكتبت جريدة "فلسطين" التي كانت تصدر في يافا ، في عددها الصادر بتاريخ 11 نيسان / أبريل 1914 ، أن المقاطعة الفلسطينية ليست جديدة لكنها أخذت زخماً في تلك السنة بعدما تبين للفلسطينيين أن المستوطنين اليهود من روسيا وأوروبا يقاطعون المنتوجات العربية (المسلمة والمسيحية) ، وأنه نادراً ما يمكن العثور على أثر للعمال العرب في المشاريع اليهودية في فلسطين. وظهر أول نداء وطني إلى المقاطعة ، على الأرجح ، في مؤتمر عقد في نابلس في 26 كانون الثاني / يناير 1920، من تنظيم الجمعية الإسلامية – المسيحية. [4] وتوالت هذه المقاطعة في المؤتمرات المتعاقبة. كذلك خرجت مبادرات المقاطعة من فلسطين خلال الحدث الكبير اللاحق، أي في ثورة 1936 – 1939 التي كان احد شعاراتها: المقاطعة والإضراب وعدم دفع الضرائب للانتداب البريطاني. [5] 

 

     تستطيع الرياضة تغيير العالم كما يقول نيلسون مانديلا ، ولها القوة للإلهام ، ولا شيء آخر له القوة في توحيد الناس مثل الرياضة. لقد عانى شعب جنوب إفريقيا من سياسة التمييز العنصري لفترة طويلة ولكن نضال شعبه والتعاطف الدولي معه أدى إلى إنهاء حقبة الظلم وقد تمثل الدعم الدولي لهذا الشعب في مقاطعة إسرائيل في نواح كثيرة في قطاع التعليم والتجارة والمؤسسات وحتى في مجال الرياضة أيضا. واليوم يمر الشعب الفلسطيني بنفس الظروف التي مر بها شعب جنوب افريقيا فالتعاطف الدولي معه يزداد يوما بعد يوم وتزداد نقمة الشعوب والمنظمات المختلفة لممارسات الاحتلال ، وقد أعطت ممارسات الاحتلال  واحداث غزة الأخيرة ، والاحداث التي سبقتها صورة واضحة للعالم (خاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتبرها اسرائيل خطرا عليها) عن همجية وعنصرية إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني. هذا ما أدى إلى ازدياد السخط تجاهها وحدوث تحول واضح في دعم الكثير من الجهات لإسرائيل وخاصة من جيل الشباب. أشار استطلاع رأي جديد إلى الانقسام المتزايد في الولايات المتحدة بين الجيل الشاب من المسيحيين الإنجيليين والجيل الأكبر سنا، لا سيما في وجهات نظرهم بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مما قد يدل على أن إسرائيل قد تشهد انخفاضا كبيرا في الدعم لها في السنوات المقبلة. [6] أيضا ومن بين المشاركين في الاستطلاع الذي أجري بتكليف من معهد الناخبين اليهود، وهو مجموعة يقودها ديمقراطيون يهود بارزون ، وافق 34% على أن "معاملة إسرائيل للفلسطينيين مماثلة للعنصرية في الولايات المتحدة"، واتفق 25% مع عبارة "إسرائيل دولة أبرتهايد" ووافق 22% على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين." [7]

 

     من اجل تبرير ممارسات إسرائيل القمعية وتبييض وجهها أمام العالم موحية للعالم نيتها الطيبة في سلام عادل مع الفلسطينيين ، وكرد فعل للمقاطعة الإسبانية لكرة القدم الإسرائيلية ، قرر مركز بيرس للسلام في عام 2005 تنظيم فريق مختلط من الإسرائيليين والفلسطينيين ليلعب مع فريق برشلونة الاسباني . بالإضافة إلى ذلك فقد نظم معهد وينجيت Wingate للرياضة والمركز الإسرائيلي للتربية البدنية في الفترة بين 15-17 أيلول 2011 مؤتمر دولي عن الرياضة للتنمية والسلام تحت عنوان "الرياضة كوسيط بين الثقافات". وكان هذا المؤتمر تحت رعاية وزارة الثقافة والرياضة ووزارة التعاون الإقليمي الإسرائيلية ووزارة الداخلية الألمانية. لهذا الحدث فقد اختار المنظمون الشركاء عن قصد موقع اللقاء في منطقة بلد يتميز بسياسة الأبارتيد. وبشكل حاسم فإن هذا المؤتمر مُوّل من قبل وزارتين حكوميتين إسرائيليتين ، وكانت منظمات المجتمع المدني الفلسطيني قد دعت المجتمع الدولي وأصحاب الضمير لمقاطعة هتين الوزارتين حتى تستجيب إسرائيل للقانون الدولي. [8]

 

      ابرزت الرياضة معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وأثبتت أنه ممكن استغلالها لتكون أداة في حركة المقاطعة. وقد أخذ الدور الذي تلعبة الرياضة يزداد باطراد في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تستهدف إسرائيل بسبب انتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي وحقوق الإنسان الفلسطيني. وكان الضغط المتزايد على الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA أكبر مثال على دور الرياضة في حملة المقاطعة BDS لكي يتخذ إجراءات بشأن وجود أندية كرة القدم الإسرائيلية في مستوطنات الضفة الغربية غير القانونية.  وكان الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم قد بادر سابقاً إلى دعوات مثل هذه ، وعلى الرغم من قلة الدعم التنظيمي والمؤسسي لم تكتسب هذه الدعوات إلا القليل من الزخم ، لكن منذ عام 2016 ، أصبحت هذه القضية نقطة محورية بسبب الجهود المستقلة لجماعات BDS  والمجمتع المدني على نطاق أوسع. [9]

     استوحيت حركة المقاطعة ووقف الاستثمار والعقوباتBDS  من الحركة العالمية لمناهضة الفصل العنصري التي بدأت في الخمسينيات . تذكر اللجنة الوطنية الفلسطينية لإدارة الأعمال (BNC) (تحالف المنظمات الفلسطينية التي تقود حركة BDS وتدعمها) في كثير من الأحيان نضال جنوب أفريقيا في نشراتها الصحفية ، والبيانات ، والحملات ، مؤكدة أن عرقلة قدرة أي دولة على التنافس في الألعاب الرياضية الدولية يمثل وسيلة قوية لوضع الضغط وتحدي شرعية الأعمال غير القانونية التي تُرتكب. [10]   لقد أصبحت حركة المقاطعة BDS كابوسا يؤرق مضاجع أسرائيل التي تأخذ على محمل الجد التحديات التي تضعها BDS أمامها . إن كل ما تريده إسرائيل هو حجب الشمس عن جرائمها وممارساتها التعسفية ، لذلك أصبحت تنفق أموالاً ومبالغاً طائلة من أجل مكافحة هذه الحركة . وكان أهم إنجاز استطاعت حركة المقاطعة BDS  تحقيقه هو قدرتها على فضح ممارسات إسرائيل والتأثير النفسي عليها وعلى سمعتها. بدأت حركة المقاطعة بوضع أجندا للمقاومة الفلسطينية، على الرغم من بقاء السلطة الفلسطينية متشبثة بعمليّة السلام التي طال أمدها والتي تمنعها من تحدي  ومواجهة إسرائيل.  

  لقد كانت حملة المقاطعة على النظام العنصري في جنوب إفريقيا تدعو الفرق والرياضيين إلى رفض المشاركات والمنافسات في هذا البلد ، ومنع فرق جنوب إفريقيا والرياضيين من اللعب في بلدان أخرى ، وطرد جنوب إفريقيا من المنظمات الرياضية الدولية ، وقطع العلاقات الرياضية مع تلك الدول التي استمرت في اللعب ضد جنوب افريقيا.  وبالرغم من أن النظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا حاول تبرير  حملة المقاطعة هذه ، إلا ان نطاق هذه الحملة سرعان ما اتسع ليشمل معارضة صريحة لنظام الفصل العنصري بأكمله ومن قاموا بتمثيله أو دعموه.  وقد تم تلخيص ذلك في شعار: "لا توجد رياضة عادية في بلد غير طبيعي ."


    بالطبع لم تتمتع إسرائيل بمكانة رياضية دولية كالتي كان يتمتع  به نظام جنوب أفريقيا العنصري (خاصة في لعبة الكريكيت والرجبي) ، لكن كرة القدم وكرة السلة كانت دائما وما زالت تحظى بشعبية كبيرة في إسرائيل.  وعلاوة على ذلك ، تشارك الفرق والرياضيين الإسرائيليين والأندية بشكل منتظم في منافسات وبطولات كرة القدم الأوروبية وكرة السلة رفيعة المستوى. يشير العديد من المراقبين إلى أن كرة القدم الإسرائيلية هي الوسيلة التي يستطيع خلالها المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل تحقيق قدر من الاندماج في المجتمع الإسرائيلي ، لذلك يقوم المدافعون عن إسرائيل والصهيونية باستغلال هذا من أجل إظهار صورة إسرائيل كمجتمع قائم على العدالة والمساواة.  لكن هذا يناقض الواقع، ففي الحقيقة  لم يؤد إدراج المواطنين الفلسطينيين في الفرق الرياضية الإسرائيلية إلى قبولهم على نطاق أوسع داخل المجتمع الإسرائيلي ، فما نراه اليوم هو تمييز واضح ضد العرب في إسرائيل وعدم تقبلهم داخل المجتمع الإسرائيلي وأكبر دليل على ذلك هو قانون اليهودية والشعارات التي يرفعها نادٍ مثل بيتار القدس "الموت للعرب" عندما يتبارى مع نادٍ عربي بارز مثل نادي سخنين.

    تركز المقاطعة الرياضية لإسرائيل بشكل حصري على معاملة إسرائيل لمواطنيها الفلسطينيين ، أو معاملتها للرياضيين الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة (الذين يتعرضون في كثير من الأحيان لقيود على حرية تنقلهم ، والذين تعرضوا للهجوم والاعتقال بل وحتى القتل على يد الإسرائيليين).  [11]

تعتبر الرياضة وسيلة هامة من أجل إظهار الهوية الوطنية والتعبير عنها ، لذا فإن مشاركة إسرائيل في المنافسات الرياضية الدولية يكرس حضورها و يجعله أمرا عاديا ، لهذا لا يرى الجمهور الذي يشاهد الفرق الإسرائيلية أنها تمثل دولة عنصرية متورطة في احتلال دام عقوداً طويلة ، أو دولة منتهكة للقوانين الدولية وحقوق الانسان ، بل ينظر إليها على أنها مجرد منافس آخر ليس أفضل أو أسوأ من الدول التي تلعب ضدها. هذا هو السياق الذي تدعي فيه إسرائيل ومؤيدوها أن الرياضة ليست سياسة أو ليس لها علاقة بالسياسة.


   يؤدي مشاهدة أداء هذة الفرق الرياضية الإسرائيلية  إلى صرف الانتباه عن ممارسات إسرائيل التعسفية ضد الشعب الفلسطيني والاعتقاد بأنها دولة متحضرة ، وهذا بحد ذاته يعتبر تطبيع ، لذا فإن تعطيل هذا التطبيع يكون له دائما أثراً في كشف وفضح صورة إسرائيل وجعلها تظهر على حقيقتها العنصرية أمام العالم. في سبعينات القرن الماضي طُردت إسرائيل من جميع الاتحادات الرياضية الآسيوية بعد أن رفضت الفرق والرياضيين من الدول العربية والإسلامية التنافس ضد إسرائيل كوسيلة للاحتجاج على احتلالها للأراضي العربية . وكان لهذا الرفض أثره في أن تتوجه إسرائيل إلى الهيئات الرياضية الأوروبية وتسعى لطلب العضوية فيها.


   لعبت المقاطعات والعقوبات الرياضية دوراً أيضاً في النضال الفلسطيني قبل الدعوة إلى المقاطعة BDS، فقد دعت جماعات مثل حملة التضامن الفلسطيني PSC في المملكة المتحدة ورابطة المسلمين في بريطانيا منذ عام 2002 إلى مقاطعة إسرائيل وتنظيم مظاهرات كلما لعب فريق كرة القدم الوطني الإسرائيلي وفرق الأندية الإسرائيلية في أوروبا. وبعد ذلك حدثت احتجاجات ضد إسرائيل ومشاركة فرقها في أوروبا والولايات المتحدة ونيوزلندا وجنوب إفريقيا وفي الألعاب الأولمبية في البرازيل. وعلى الرغم من ذلك فقد بقيت هذه الاحجاجات منعزلة ودون فاعلية مؤثرة ، ولم تُثر الاهتمام .

    بدأ التغير الواضح في زخم الاحتجاجات في عام 2011 عندما انطلقت حملة ضد اتحاد الاتحادات الأوروبية لكرة القدم  UEFA الذي قرر منح حقوق استضافة إسرائيل لدوري الرجال تحت 21 عام 2013 ، فقد أدانت الأندية واللاعبون الفلسطينيون المدعومون في وقت لاحق من قبل الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم والجماعات الناشطة مثل PSC  و Red Card Israel Racism (RCIR) وعدد من كبار لاعبي كرة القدم بقيادة المهاجم الدولي  المالي Frederic Kanoute قرار اليويفا ودعوا إلى إلغاء البطولة معتبرين أن منح حقوق الاستضافة لإسرائيل هو إقرار احتلالها وسياستها العنصرية. وقد شكلت هذه الحملة تحولا في حركة المقاطعة الفلسطينية وكانت أول محاولة منسقة للمقاطعة من أجل مكافحة حدث رياضي متعدد الأطراف. ورغم أنها في نهاية المطاف لم تنجح في نقل البطولة إلى مكان جديد ، إلا انها استطاعت أن تحقق نجاحا كبيرا في تسليط الضوء على الدور الذي ممكن ان تلعبه الرياضة في زيادة الضغط على إسرائيل ، وفي لفت الانتباه لمعاملتها للفلسطينيين ، وبهذا الصدد كتب علي أبو نعمة محرر موقع الانتفاضة الألكترونية Electronic Intifada معلقاً على ذلك أن التغطية التي رافقت هذه الحملة وخاصة المقاطعة الرياضية اخذتها إلي مستويات جديدة من البروز والشرعية الدولية.

  في أعقاب حملة بطولة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ، اعترف أحد الشخصيات البارزة في حركة المقاطعة BDS عمر البرغوثي بأنه كان بطيئا في الترويج للمقاطعة الرياضية التي أصبحت جزء من جدول اعمال المقاطعة BDS. وأكد البرغوثي على التأثير النفسي التدريجي الذي ممكن أن تحدثه المقاطعة على دولة الاحتلال. منذ ذلك الحين أخذ دور الرياضة في حركة المقاطعة BDS بالتنامي بشكل ملحوظ ، ففي عام 2014 وعام 2015 دعا الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى التصويت في الفيفا على عضوية إسرائيل ، وهو ما دعمه نشطاء في BDS ، وترافق مع احتجاجات مستمرة في مباريات كرة القدم في أوروبا ، بما في ذلك مظاهرة ضخمة من قبل مشجعي النادي الاسكتلندي غلاسكو سلتيك  Glasco Celtic في عام 2016. وفي الوقت نفسه تستمر دعوة الفيفا لفرض عقوبات على إسرائيل بسبب تواجد اندية في مستوطناتها غير الشرعية.


     في مقال له في شباط 2017 ينتقد أوبري بلومفيلد Aubrey Bloomfield حركة المقاطعة BDS  لأنها تتبع نهجاً غير متسق وغامض إلى حد ما في الترويج لمقاطعة رياضية على النقيض من صمتها النسبي على احتجاجات السلتيك الأسكتلندي. ومن الجدير بالذكر أن شارك المجلس الوطني البنغالي بنشاط أكبر في قضية نوادي المستوطنات الإسرائيلية ، وهكذا فعلت مجموعات أخرى مثل BDS  جنوب إفريقيا ، وحتى ذلك الحين لم تتلق الرياضة اهتماما كافيا مقارنة بالجوانب الأخرى لحركة المقاطعة BDS مثل المقاطعة الثقافية والأكاديمية. [12] ويعود السبب في ذلك إلى ، أولاً: عدم تلقي ال BDS دعم من المؤسسة الرياضية الفلسطينية خاصة من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ، ومن المؤكد أنه لم يكن بينهما تنسيق كافٍ فيما يخص الضعط على الفيفا. ثانياً: كما أشير سابقاً أن حركة المقاطعة BDS  قد انبثقت عن اللجنة الوطنية الفلسطينية لإدارة الأعمال (BNC) (تحالف المنظمات الفلسطينية التي تقود حركة BDS وتدعمها) ، وهذه المنظمات يمثلها مثقفون  وطنيون فلسطينيون غيورون على مصلحة الوطن ، الذين رغم إدراكهم للواقع الفلسطيني وتضحياتهم إلا أنهم لا يدركون جيدا الدور الفكري والسياسي والنضالي الذي ممكن أن تلعبه الرياضة في تحقيق الأهداف الوطنية، وهذا ليس أمراً غريباً فالحركة الوطنية الفلسطينية منذ العشرينيات لم تعِ جيداً الدور الذي ممكن أن تلعبه الرياضة في التصدي للمد الصهيوني ، ولم تضعها ضمن اجندتها الوطنية – الفكرية. ولا بد للتذكير أن النزعة الوطنية للرياضة الفلسطينية منذ العشرينيات نشأت كرد فعل مستمر على ممارسات الجانب الصهيوني على الساحة الرياضية وعلى دعم الانتداب له ، وليس لأن الرياضة كانت مكوناً أساسياً ضمن أجندة الحركة الوطنية الفلسطينية. ثالثاً،  وكما أشير سابقا أن تركيز حركة المقاطعة BDS كان منصباً على المقاطعة الثقافية والأكاديمية أكثر منه النواحي الأخرى والتي منها الرياضية. 


   إن عدم وجود دعم مؤسسي واضح للمقاطعة من المؤسسة الرياضية الفلسطينية لا يعني أن حملة المقاطعة الرياضية ستؤدي إلى نتائج هزيلة لأن ضعط المجتمع المدني المستمر الذي تسعى المقاطعة إلى إحداثه ضروري لإقناع المؤسسات الرياضية الوطنية والهيئات الرياضية الدولية مثل الفيفا باتخاذ إجراءات حاسمة ضد إسرائيل ، وذلك على الرغم من أننا نرى اليوم للأسف أخلاقيات النفاق وازدواجية المعايير التي يتعامل بها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) مع الجانب الإسرائيلي وفرضه قوانين صارمة على الرياضة الروسية وتجاهله إسرائيل واحتلالها وممارساتها القمعية بحق الفلسطينيين ورياضاتهم ورياضييهم .

 

المراجع



[3] عمرو سعد الدين، حركة مقاطعة إسرائيل BDS ، بحث في الطرق والقيم والتأثير، مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، بيروت ، 2020. ص 6 – 7.

[5]  عمرو سعد الدين، حركة مقاطعة إسرائيل، ص 7.

[12] http://mondoweiss.net/2017/02/sports-palestinian-struggle/ 

No comments:

Post a Comment