Sunday, May 30, 2021

الرياضة الفلسطينية ضمن أجندة مؤسسة "مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية" الإسرائيلية


 

عصام الخالدي

 

   تستخدم إسرائيل وسائل شتى عسكرية واقتصادية وثقافية ورياضية في عدوانها المستمر على الفلسطينيين . فكلما تعرضت إلى انتقادات حول سلوكها وممارساتها التعسفية ضد الشعب الفلسطيني، كلما دفعها هذا إلى ابتكار وسائل وطرق خبيثة من أجل التغطية على هذه الجرائم وتبرير سلوكها والاستمرار في تحقيق احلامها ، فهي بوقاحة تصطنع الأكاذيب وتنشرها كحقائق من أجل تشويه صورة الشعب الفلسطيني وتصوير رفضه للاحتلال البغيض بأنه إرهاب. بالطبع فإن احدى هذه الوسائل هي "مؤسسة مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية" Palestine Media Watch ، فهذه المؤسسة مكرسة للضغط الإعلامي على كل المؤسسات الفلسطينية بما فيها الرياضية .

 

في احدى زياراتها إلى الولايات المتحدة قالت الدكتورة والناشطة السياسية حنان عشراوي:

"..... ثم هناك منظمات سامة كما تعرفون وهي فعالة في تشويه الرسالة الفلسطينية عن الواقع ..... لديك مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية التي هي أيضا تنتظر أي فلسطيني يفتح او تفتح فمها، ويهاجمون."[1]

 

    كانت إسرائيل ناجحة دائما في نشر دعايتها على أساس "كرر الكذبة حتى تصبح  حقيقة". بهذه الطريقة تستطيع أن تكسب تعاطف العالم وتظهر كضحية وقعت في براثن "عنف" الفلسطينيين الذين هم بدورهم ضحية الاحتلال الإسرائيلي. في عام  1928 كتب آرثر روبين – كاتب وعراب الاستيطان الصهيوني في فلسطين: "لقد اتضح لي مدى صعوبة إدراك الصهيونية بطريقة تتوافق مع متطلبات الأخلاق العالمية ، لذلك أصبحت مكتئبا جداً." [2] لم يقل هذا شخص معادٍ للسامية أو الصهيونية، بل مفكر صهيوني متحمس أدرك أنه فقط بالخداع تستطيع الصهيونية تحقيق اهدافها. وقد أصبح هذا الخداع منذ وقت طويل جزء من العقلية الصهيونية وتقاليد تسير عليها القيادات الإسرائيلية المتعاقبة. يقول موشه شاريت أول وزير خارجية لإسرائيل وفيما بعد رئيساً للوزراء مشيرا إلى فعالية الخداع "لقد أدركتُ أن دولة إسرائيل ليس بمقدورها أن تُدار في أيامنا هذه إلا بالخداع والمغامرة."[3]

  

  تأسست مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية في عام 1996، أي بعد اتفاقية أوسلو، فهي بذلك تعكس النية الحقيقية لإسرائيل في عملية السلام ، وخططها في استمرار الاحتلال والإسراع في التوسع في بناء المستوطنات في الضفة الغربية. وبالرغم من التنسيق الأمني مع إسرائيل والتنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية في مفاوضات السلام إلا أن هذه المؤسسة استمرت في تصوير كل جانب من جوانب الفلسطينيين بما فيها السلطة الفلسطينية بشكل شيطاني،  لأنه لا شيء كافٍ لإشباع شهية اسرائيل في التوسع وسلوكها السادي في القهر والظلم.

     إتامار ماركوس رئيس هذه المؤسسة هو مستوطن انتقل من نيويورك ليعيش في مستوطنة يفرات التي بنيت على أراضٍ فلسطينية مغتصبة قرب بيت لحم. تمت مقابلته في الفلم المعادي للمسلمين Obsession وله علاقة مع اليمين المتطرف سيء السمعة المعادي للإسلام في الولايات المتحدة من أمثال جيرت وايلدرز وديفيد هوروفيتس الكاتب الأمريكي المحافظ .  وعلى الرغم من مزاعم الاستقلالية ، تلقت هذه المؤسسة تمويلاً من الوكالة اليهودية ، احدى المؤسسات الوطنية التي تدعمها الحكومة الإسرائيلية. [4]

وعلى موقعها فهي تدعي بأنها مؤسسة أبحاث إسرائيلية تدرس المجتمع الفلسطيني من وجهات النظر المختلفة من خلال مراقبة وتحليل السلطة الفلسطينية ووسائل الإعلام والكتب المدرسية. وينصب تركيزها الرئيسي على الرسائل التي يرسلها المسؤولون الفلسطينيون من السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية مثل فتح وحماس إلى السكان من خلال مجموعة واسعة من المؤسسات والبنية التحتية التي يسيطرون عليها. [5] وتقوم هذه المؤسسة بإعداد تقارير دراسات عديدة حول المعسكرات الصيفية الفلسطينية ، والشعر ، والكتب المدرسية ، والأيديولوجية الدينية ، والنساء والأمهات ، وأشرطة الفيديو الموسيقية للأطفال ، (وكما تدّعي) تلقين السلطة الفلسطينية البالغين والأطفال طلب الشهادة . [6]

 

   ومن الأمور الخطيرة أن هذه المؤسسة قامت بتقديم نتائجها امام أعضاء الكونغرس الأمريكي وأعضاء البرلمان في العديد من البلدان ، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا والنرويج والسويد وهولندا وسويسرا وكندا وأستراليا . بالإضافة إلى ذلك أصدرت تقارير بانتظام حول كيفية إساءة استخدام المساعدات الخارجية من قبل السلطة الفلسطينية لتعزيز ما تسميه بالإرهاب ، هذه التقارير التي كانت من خلالها تسعى إلى تغييرات في التشريعات وإجراءات التمويل من الدول والمنظمات المانحة من خلال نشراتها والتقارير. [7] وكما أشير سابقاً فإن الهدف من نشاطاتها هو الاستمرار في إعطاء صورة مشوهة عن الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية وإحكام هيمنتها الدعائية ونشر الأوهام المفبركة على العقلية الغربية.

 

في أيلول 2013 رفض قاضٍ في محكمة تل أبيب قضية قدمتها هذه المؤسسة تسعى "لإثبات سياسة التحريض" الفلسطينية ضد إسرائيل . إنهارت القضية جزئياً على الأقل لأنها اعتمدت على إيتامار ماركوس، مدير هذه المؤسسة  باعتباره "خبيراً" . خلص القاضي بشكل دامغ إلى أن عمل ماركوس "لا يشكل رأي خبير" ، على الرغم من أن ماركوس يدعي على موقعه على الإنترنت أنه "أحد أهم السلطات في الفكر والسياسة الفلسطينية"، إلا أن القاضي رفض مزاعمه وسخر منه عملياً خارج المحكمة. [8]

 

   عند الاطلاع على موقع هذه المؤسسة ، أول شيء يخطر على البال هو أنه وكأن نكبة عام 1948 لم تحدث ولم يشرد 750.000 ألف لاجىء فلسطيني من بيوتهم وقراهم ومدنهم التي نُهبت ومُحيت من الوجود. فهذا الموقع يشرعن الاستيطان والجدار العازل ونقاط التفتيش وتهويد القدس والقتل وهدم البيوت والغطرسة واربعة وخمسون عاما من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. وفي النهاية فإن هذه المؤسسة هي جزء من آله الاحتلال والظلم والقهر الإسرائيلية ومهمتها تبرئة إسرائيل من جميع جرائمها.[9]

     

   ليست هناك أي أيديولوجية لها المقدرة على تفسير الحقائق وفق رغباتها ومصالحها مثل الصهيونية. يعرف قاموس أوكسفورد المقاومة بأنها رفض قبول أو الأمتثال لشيء ما . المقاومة هي حق لكل الشعوب التي ترضخ تحت قوى الظلم والقهر والطغيان ، فمقاومة الفلسطينيين للاحتلال لا تختلف عن أي مقاومة أخرى شهدها التاريخ مثل مقاومة الشعب الجزائري للاستعمار الفرنسي ، أو مقاومة الفرنسيين للاحتلال النازي إبان الحرب العالمية الثانية. إن القاموس الإسرائيلي مليء بمفاهيم مضللة فهو يعرف النضال الفلسطيني ضد الاحتلال بأنه عنف وإرهاب ، كما ويتهم منظمة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS Boycott Divestment Sanctions بأنها منظمة معادية للسامية ، وهذا ما يؤكد أن الصهيونية هي الأيديولوجية السياسية الوحيدة التي تدعي أن الاختلاف معها هو جريمة كراهية وعداء للسامية .

 

تعتبر هذه المؤسسة جميع الأحزاب والمنظمات الفلسطينية منظمات إرهابية، بما في ذلك اللجنة الأولمبية الفلسطينية والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم التي اتهمتما بتسمية الألعاب والبطولات الرياضية تيمناً بأسماء "الإرهابيين" ، أي هؤلاء الذين قاوموا الاحتلال وضحوا بأرواحهم من أجل الحرية والكرامة وكانوا رموزاً وأيقونات للنضال من أجل فلسطين .

  من المؤكد أن الصهاينة يتناسون التاريخ عندما قامت عصاباتهم الإرهابية في السنوات القليلة التي سبقت النكبة باعمال إرهابية مثل تفجير فندق الملك داود واغتيال مبعوث الأمم المتحدة الكونت برنادوت ، وبين هؤلاء الإرهابيين من اصبح رئيسا للوزراء مثل مناحم بيغن الذي قاد منظمة الإرغون الإرهابية ، وإسحاق شامير الذي قاد حركة ليهي (مقاتل من اجل الحرية) ، بالإضافة إلى البلماخ وفاد ليئومي والهاغاناة.  وقد لعبت هذه المنظمات دورا محوريا في إقامة دولة إسرائيل. فخلال مباراة لكرة القدم لفريق البيتار كان جمهوره يهتفون "الموت للعرب" كنوع من الاحتفال والتهليل. وقاموا بمهاجمة العمال العرب في سوق المالحة في القدس الذي هو بجوار مدرج تيدي كوليك. تأسست منظمة (البيتار) من قبل الإصلاحي زيف جابوتنسكي عام 1926 وظهرت كحركة مناوئة لنقابة العمال الصهيونية (الهستدروت) في فلسطين. وكان اعضاء (البيتار) يرتدون القمصان البنية كجزء من الوان الحركة الصهيونية. أما الذين انفصلوا عن الهاغاناه وأسسوا اتسل Etzel وليهي Lehi فكانوا من اعضاء البيتار التي انخرط اعضاؤها في الأعمال الإرهابية في الثلاثينيات. [10]

   

   من الطبيعي استطاعت إسرائيل التسلل إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، فهي والولايات المتحدة كان لهما ضلعاً في نجاح جياني انفانتينوا في انتخابات (الفيفا). للأسف رفضت (الفيفا) في عام 2017 بعد تقرير استغرق إصداره وقت طويل أن تتخذ إجراءات عقابية ضد أندية كرة القدم الموجودة في المستوطنات الإسرائيلية على أراضٍ مسروقة من الفلسطينيين. وقد خضعت (الفيفا) للادعاء الذي قدمته مؤسسة "مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية" الفاقدة للمصداقية متهمة جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ب"إثارة وتمجيد الإرهاب" و"عدم ادانته للإرهاب". ولم تَرُد (الفيفا) على رسالة بريد من موقع الانتفاضة الألكترونية (الفلسطينية) التي تتساءل عن سبب تعاملها مع مزاعم مثل هذه المنظمة بجدية ، ولماذا استغرق الأمر عامين قبل أن تبدأ (الفيفا) في التحقيق بشـأنه. [11]

 

    في احدى تصريحاتها ذكرت هذه المؤسسة أنه من السخرية أن نسمع  زعيم السلطة الفلسطينية جبريل رجوب (رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة) يقول في معرض لكرة القدم في باريس إن الرياضة هي "جسر من الحب والتواصل مع المجتع الدولي" ، وفي آن واحد منع اللاعبين والمدربين والفرق الرياضية الفلسطينية من ممارسة الرياضة مع الإسرائيليين.

أولاً، من المؤكد أن الرجوب في خطابه في باريس كان يقصد المجتمع الدولي وليس إسرائيل. ثانيا، فإن الفلسطينيين غير راغبين في المنافسة مع الفرق الإسرائيلية في ظل الاحتلال والجدار العازل ، ونقاط التفتيش ، والحد من حركة الرياضيين ، واستهداف الرياضيين والملاعب، وإنما في ظل دولة فلسطينية وحقوق متساوية بين الطرفين . ولا احد ينكر أن الرياضة هي قوة ناعمة وأداة عظيمة للسلام والأخوة والصداقة التي يمكن ان تجمع الناس معاً في كل المعمورة باستثناء الشعب المُحتَل مع مُحتلِّه أي الضحية  مع جلاّدها.  

 

    وتنتقد هذه المؤسسة تصريحات الرجوب عن التطبيع في الرياضة مع إسرائيل: "أرسل الرجوب تبريكاته إلى كل الرياضيين العربي الذين رفضوا التباري مع الرياضيين الإسرائيليين." نعم، لقد دعا الرجوب الدول العربية والإسلامية أن توقف أي نوع من التطبيع مع إسرائيل طالما أن إسرائيل لا تلتزم بالميثاق الأولمبي ولا تعترف بحق الفلسطينيين في الحركة، وأن تقاطع كل المؤسسات الرياضية والشبابية التي تتخذ من المستوطنات غير الشرعية مقرات لها أو هؤلاء الذين يعملون أو يروجون لأنشطتهم داخل المستوطنات. [12]

 

     تتهم هذه المؤسسة الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ورئيسه اللواء جبريل الرجوب بانتهاك النظام الأساسي للاتحاد الدولي لكرة القدم والقانون التأديبي باستخدام كرة القدم الفلسطينية كوسيلة لتمجيد "الإرهابيين" وتكريمهم ، والتحريض على الكراهية والعنف وتعزيز العنصرية وحظر استخدام الرياضة كجسر للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتستشهد بالمادة 3 من قانون (الفيفا) الذي ينص على ما يلي: (الفيفا) ملتزمة باحترام جميع حقوق الانسان المعترف بها دولياً ، وستسعى جاهدة لتعزيز حماية هذه الحقوق . وتسترسل "لقد أدان المجتمع الدولي بشدة الإرهاب بجميع أشكاله. يدين قرار مجلس الأمن رقم 1624 الصادر في 14 أيلول 2005 الإرهاب والتحريض على الإرهاب وتكريم الإرهابيين مستخدما اللغة التالية: إدانة بأقوى العبارات جميع الأعمال الإرهابية بغض النظر عن دوافعها ، وأيا كان مرتكبها ، كواحد من أخطر التهديدات للسلام والأمن."

 

  عند قراءة هذه المادة من قانون (الفيفا) السابق ذكره ينتاب المرء نوع من السخرية لأن هذا بالفعل ينطبق تماما على إسرائيل، فهي التي كانت وما زالت تعرقل مسيرة الرياضة الفلسطينية وتشارك بستة أندية من مستوطناتها في الدوري الإسرائيلي والتي لم تفعل (الفيفا) أي شيء بشأنها حتى أنها لم تبدِ ادانتها لها، إلا أنها أعلنت فقط أنها لا ترغب في خوض أمور "سياسية" تحت شعار "إبقاء الرياضة خارج السياسة". أما حول قرار مجلس الأمن رقم 1624 فمن المعروف للعالم بأسره أن إسرائيل هي أكثر دولة تنتهك القوانين الدولية، واحداث الشيخ جراح وحي سلوان والمسجد الأقصى الأخيرة وقصف قطاع غزة هي أكبر دليل على ذلك ، هذا دون ذكر تاريخ شعبنا الطويل مع الإرهاب الصهيوني خلال ما يقارب المئة عام.

    إن عدم مقدرة إسرائيل على إخفاء ممارساتها التعسفية تجاه شعبنا ووعي العالم للأكاذيب التي تروجها إسرائيل ومؤسسات مثل هذه جعلته يبدى تعاطفاً أكبر يوماً بعد يوم مع معاناة الفلسطينيين. وعلى الرغم من التصور السائد عن الذكاء الذي يتمتع به الصهاينة، إلا أنهم يتجاهلون بغباء قوانين التاريخ، أو أنهم يدركونها حقا ويتظاهرون بتجاهلها بسبب غطرستهم وكبريائهم التي ستؤدي في نهاية الأمر إلى إرسالهم إلى مزابل التاريخ ، غير مدركين أن الظالم دائماً يدفع ثمناً باهظاً مقابل غطرستة وسلوكه القمعي مهما طال الزمن.

 

الملاحظات والمراجع

 



No comments:

Post a Comment