Friday, January 24, 2014

فلسطين ولبنان .... تاريخ من اللقاءات الرياضية قبل النكبة

         

عصام الخالدي

    تميزت العلاقات الفلسطينية اللبنانية بفائض من التبادل الثقافي بين البلدين الذي شمل كل النواحي الثقافية بما فيها الرياضية. ومن الواضح أن المشاعر القومية وتعاطف الشعب اللبناني لما كانت تعانيه فلسطين في تلك الفترة كانت قد ساعدت على تعميق التعاون الثقافي الرياضي بين البلدين، وقد كان لهذه اللقاءات الرياضية أثر كبير على تقدم الفرق والرياضيين الفلسطينيين.
 في عام 1908 تم تشكيل أول فريق لكرة القدم على مستوى مدرسي في مدرسة المطرانSt. George   في القدس. وفي عام 1909 سافر هذا الفريق إلى بيروت وتبارى مع فريق الجامعة الأمريكية هناك وتغلب عليه (الذي كان يعتبر من أقوى الفرق في المنطقة) في عقر داره. [1] وقد كانت هذه المباراة الأولى التي يجريها فريق فلسطيني مع فريق عربي خارج حدود فلسطين. ومن المعروف أن الكثير من أبناء فلسطين التحقوا في الدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت وكان بينهم محامون ورجال فكر وأطباء وأدباء ورجال أعمال وكان بينهم من كان عضوا في فرقها الرياضية نذكر منهم الأخوين عوني وحلمي حنون الذين لعبا مع فريق كرة القدم منذ عام 1933 - 1935.
   في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات تعززت اللقاءات الفلسطينية العربية حيث حضرت إلى فلسطين عدة فرق عربية وكان من أهمها اللقاء الكروي في آذار عام 1932 بين فريق الجامعة الأمريكية في بيروت وفريق النادي الرياضي العربي بالقدس. وحول هذا اللقاء نشرت صحيفة (فلسطين) هذا الخبر :

".... وكان الفريق الثاني (أي النادي الرياضي العربي) مؤلفا من السادة : إبراهيم نسيبة ، بشارة طنوس ، نائل النشاشيبي ، عبد القادر أبو السعود ، داود بيتوني ، فوزي معتوق ، ربحي يونس الحسيني ، داود البيطار ، نصري الجوزة ، نزار استامبولي ، رجائي نمر. واكتظت مقاعد الملعب بهواة الرياضة وبجماهير المتفرجين رجالاً ونساء مما لم نشاهده في الأيام الماضية وقبل البدء باللعب هتف كل فريق للآخر وأخذ رسم للفريقين مجتمعين  وبدأت المباراة في الساعة الثالثة والنصف وأسفرت النتيجة عن فوز فريق الجامعة الأمريكية بأربع إصابات مقابل إصابة واحدة حازها فريق النادي الرياضي ، وقد ساد النظام هذه المباراة وأظهر كلا الفريقين من المهارة والنشاط ما كان موضع الإعجاب". [2]

    في كانون الثاني عام 1935 حضر إلى فلسطين فريق النهضة اللبناني الذي كان يعتبر من أقوى الفرق السورية (لاعتبار الصحافة الفلسطينية أن لبنان جزء من سوريا - الكاتب) الرياضية وتبارى مع نادي شباب العرب وتغلب عليه بخمس إصابات ضد لا شيء. وبعد أسبوع سافرت فرقة النادي الرياضي الإسلامي إلى بيروت وتبارت مع نادي النهضة هناك الذي تغلب عليها بإصابة ضد لا شيء.[3]
    في عام  1924 شكل اليهود ما يسمى بمنظمة كرة القدم للأندية من أجل ضم كافة الأندية ، ومنذ عام 1925 سعى  بعض قادة منظمة المكابي أن يضموا منظمتهم إلى الاتحاد الدولي للرياضيين الهواة. ولكن مساعيهم باءت بالفشل لأن المكابي لم تكن تمثل العرب والانجليز واليهود في فلسطين بشكل متساو. بالتالي فإن هذه المحاولة الفاشلة لم تثن من عزيمة (جوزيف ياكوتيلي) القيادي البارز في المكابي، فمنذ بداية عام 1925 حاول (ياكوتيلي) أن يكسب عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم، وكانت الوسيلة الوحيدة للوصول إلى هذا الهدف هي تأسيس "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" في صيف 1928 من قبل اليهود والعرب والإنجليز. لذا فإن تعاون اليهود مع العرب لم يأت من دافع الود ، بل كل ما كان يسعون إليه هو تلبية متطلبات الاتحاد الدولي بحيث أن تضم هذه الجمعية أعضاء من العرب. في حزيران 1929 قبل هذا الاتحاد في الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA). وما أن أصبحت هذه الجمعية عضواً فيه حتى بدأت مرحلة تهميش العرب من الساحة الرياضية ولم يلتزم أعضاؤها اليهود بالقوانين الداخلية، فمن خلال تعاونهم مع البريطانيين حاولوا الهيمنة على هذه الجمعية وإعطائها الطابع الصهيوني سواء بجعل أنفسهم غالبية فيها أو بإدخال اللغة العبرية والعلم العبري في شعارات هذه الجمعية. وكان انضمام هذه الجمعية إلى الاتحاد الدولي بمثابة فرصة ثمينة من اجل  تمثيل فلسطين "يهودية" على الصعيد الدولي . ومن الأمور الهامة التي سعى إليها هذا الاتحاد هو تعزيز علاقته بالاتحاد الدولي. هذه الممارسات دفعت الفلسطينيين إلى تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني في عام 1931 ، إلا أنه لم يكن عضوا في الاتحاد الدولي وهذا ما تسبب في حرمان الأندية العربية فيما بعد من كثافة اللقاءات مع الفرق الرياضية في الدول العربية الشقيقة.
   
     كانت الفرق الكروية في الدول العربية الشقيقة تطلب السماح من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم من أجل التباري مع الفرق العربية في فلسطين ، ففي رسالة من الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في 6 أيلول 1935:

 "لقد استلمت مؤخرا طلب انضمام الاتحاد اللبناني لكرة القدم والذي سيوافق عليه بدون شك من قبل هذا الاتحاد الدولي. ويطلب الاتحاد اللبناني أن يعطى السماح للتباري مع الفرق العربية في فلسطين والتي هي ليس عضوا في اتحادكم. وقبل أن تجيبوا على هذه الرسالة أريد أن أعرف وجهة نظركم حول هذا الموضوع. وسأكون سعيدا أن استلم منكم الرد على ذلك."

 وعلى صعيد الملاكمة ففي لقائة مع الناشط الرياضي الفلسطيني في لبنان خالد عجاوي ، (الحركة الرياضية الفلسطينية في الشتات، الدار الوطنية الجديدة ، دمشق ، 2001 ،  ص. 29) يشير الملاكم سنحاريب صليبا إلى أنه "إلى جانب التدريب وفي العام 1936 ذهبت إلى بيروت والتقيت فيها البطل اللبناني مصطفى الأرناؤوط وتغلبت عليه.... في العام 1939 عدت إلى لبنان ولم أتمكن من العودة إلى باريس بسبب الحرب العالمية الثانية حيث أقفلت الحدود فعدت إلى فلسطين ومنها أرسلت إلى إحدى الجزر على حدود تركيا – سوريا للعمل كمترجم هناك، وأحسست خلال تلك المرحلة بشغف كبير إلى الحلبة فعدت إلى حلب لألتقي مع البطل السوري محمد خير الملقب "أسد الشرق" وتغلبت عليه في الجولة السادسة. وفي بيروت نظم الإخوة خليل وإبراهيم محجوب في "غراند ياتر" مباراة الثأر مع البطل السوري محمد خير ، وتغلبت عليه في الجولة 14 بالقاضية للمرة الثانية. لم أتمكن من البقاء في لبنان لأعود إلى فلسطين الوطن الأم !.. ثم كان التهجير من فلسطين لأستقر في لبنان التي لعبت فيها عدة مباريات مع أبطالها ومنها مباراة مع البطل اللبناني هرانت غازريان عام 1950 في بيروت." وكان للملاكم أديب الدسوقي ايضا حظا في اللقاء مع البطل اللبناني مصطفى الارناؤوط في أيلول 1937 على مسرح مدرسة الفرير في مباراة حضرها رئيس بلدية يافا. وفي كانون الثاني 1938 تبارى معه في بيروت وكانت النتيجة التعادل.

  حاولت الأندية والمنظمات الصهيونية استقطاب الفرق العربية من الدول العربية الشقيقة للتباري معها من أجل إقناعها بأن الذين يمثلون فلسطين هم اليهود وحدهم عاملين أيضا على تهميش العرب عن الساحة الرياضية في فلسطين. وكان هذه المنظمات توجه الدعوات الى الفرق والأندية العربية لزيارة فلسطين متجاهلة طبيعة الصراع الذي كان قائما في فلسطين ليس على الصعيد الرياضي فحسب بل والسياسي أيضا متجاهلة التعاطف القومي بين اللبنانيين وإخوتهم الفلسطينيين. ومثالا على إحدى الممارسات المشينة لكرامة الفلسطينيين أن وجه منتخب فلسطين اليهودي في نيسان عام 1940 دعوة إلى منتخب الاتحاد اللبناني لكرة القدم للحضور إلى تل أبيب للاشتراك في مباراة كبيرة جرت على ملعب تل أبيب (حيث تغلب الفريق اليهودي على نظيره اللبناني بخمسة أهداف مقابل هدف). إن الذي يثير الإعجاب أن خمسة من لاعبي المنتخب اللبناني رفضوا الاشتراك في هذه المباراة. وقد صرح رئيس الاتحاد اللبناني جميل صوايا أن الرياضة بعيدة عن السياسة من نواح كثيرة وأن القصد من هذه الرحلة هو التعرف على بلاد شقيقة. [4]
    بعد فترة سافرت إلى بيروت فرقة رياضية تضم أمهر السباحين اليهود للقيام بمباريات في السباحة مع النوادي اللبنانية وكانت النتيجة أن فاز نادي لبنان الرياضي على السباحين اليهود فوزا باهراً. وسجل السباح اللبناني عبود رقماً قياسياً في السباحة الحرة. وفاز نادي النجاح الرياضي في اليوم التالي على السباحين اليهود في كرة الماء.[5] وفي تشرين الثاني 1944 قدمت إلى حيفا فرقتا منتخب بيروت للسباحة وكرة السلة وكرة القدم. وأقيمت مباراة في السباحة (مع السباحين اليهود) في بركة بيت غاليم ضد منتخب مكابي فلسطين. وكان يصاحب الرياضايين اللبنانيين السيد السيد ناصيف مجدلاني صاحب جريدة "الحياة الرياضية" التي تصدر في بيروت وأمين سر الاتحاد اللبناني للسباحة والسيد أدمون ملكى أمين صندوق الاتحاد. وقد زارا كلاهما مكتب صحيفة (الدفاع).[6]
  تعززت اللقاءات الأخوية بين البلدين بعد إعادة تأسيس الاتحاد في 1944 بالإضافة إلى تفهم الاتحادات الرياضية العربية أن الاتحاد الرياضي الفلسطيني هو الذي يمثل فلسطين وليس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي كان يهيمن عليه الصهاينة هيمنة كاملة. في أيلول 1946 زار فلسطين السيد ناصيف مجدلاني رئيس الاتحاد الرياضي اللبناني وصاحب جريدة الحياة الرياضية في بيروت وقد حضر حفلة ملاكمة بحيفا على مسرح جمعية التهذيب اشترك فيها السيد أديب الدسوقي بطل فلسطين باستعراض مع بطل البوليس وتبارى أبطال يافا مع ابطال من جمعية العمال وجمعية التهذيب وتغلب السيد محمد حرب-عمالي على السيد عوني الحافي –يافا-ويعقوب سمارة –يافا –على محمد العقاد- عمالي-ورفيق توفيق-تهذيب – على محمود والي-يافا-ومحمد الريس-يافا- على ديب محمد –تهذيب –وقد وزع السيد مجلاني الجوائز على الفائزين وقبل دعوة السيد أديب الدسوقي لزيارة يافا والاجتماع إلى ممثلي الاتحاد الرياضي الفلسطيني والأندية الرياضية واتحاد الملاكمة للعمل على نشر الرياضة في البلاد العربية.[7]


   في تشرين الثاني جاء في صحيفة (فلسطين) في كانون الأول 1947 تحت عنوان  (مباراة دولية بين فلسطين وسوريا ولبنان)  "كان اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الذي عقدته صباح يوم الأحد الماضي في يافا من أهم اجتماعات اللجنة ، فقد أقرت مبدئيا إقامة مباراة في كرة القدم بين منتخب فلسطين ومنتخب سوريا بناء على طلب مديرية الشرطة في دمشق وستقام هذه المباراة الدولية في عاصمة سوريا بعد ظهر يوم الجمعة 12 كانون الأول (1947) المقبل ، وقررت الطلب من الاتحاد اللبناني تنظيم مباراة بين منتخب فلسطين ومنتخب لبنان بعد ظهر يوم الأحد 14 (كانون الأول 1947) القادم في بيروت ، أما المباراة الأولى فستكون برعاية فخامة السيد شكري القوتلي رئيس الجمهورية السورية ، وسيقدم فخامته كأسا كريمة للفريق الفائز ، وسيرصد ريعها (أي ريع المباراة) لقضية فلسطين العزيزة على كل عربي" . ولم يستطع الرياضيون الفلسطينيون القيام بهذه المباريات بسبب أحداث النكبة لتتحول مواجهاتهم الكروية إلى مواجهات مع المغتصب الصهيوني وتضيع أحلامهم وثمرة جهودهم في بناء الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي جمع شمل كافة الأندية العربية في فلسطين تحت لوائه واستطاع أن يثبت مقدرته على التنظيم  
 
 



[1]   انظر: Khalidi, Walid. Before their Diaspora: A Photographic History of the Palestinians 1876-1948 (Beirut: Institute for Palestine Studies, 1984) p. 231        
[2]     صحيفة (فلسطين) 29 آب 1932.
[3]     صحيفة (فلسطين) 11 كانون ثاني 1935. وتشير هذه الصحيفة "ومما يذكر بالاستهجان الشديد سوء مقابلة جماهير المتفرجين للفريق الفلسطيني فقد كانوا يشتمون أعضاءه ويهزئون بهم ويحرضون أخصامهم عليهم بألفاظ ينبو عنها الذوق السليم. ومما يذكر أيضا أن نادي النهضة لم يقم بواجب الضيافة ، فلن يدع الفريق الفلسطيني كما جرت عادة الأندية الرياضية إلى حفلة ما ، فدخل أعضاء النادي الرياضي الإسلامي الملعب وخرجوا منه دون إن يكلف نادي النهضة أو احد أعضائهم همة الاتصال بهم أو تحيتهم تحية لائقة."
[4]     صحيفة (فلسطين) 92 نيسان 1940.
[5]    صحيفة (الدفاع) 25 آب 1943
   [6]    صحيفة (الدفاع)  8 تشرين الثاني 1944
[7]    صحيفة (فلسطين) 1 أيلول 1946

 

No comments:

Post a Comment