عصام الخالدي
من
الصعب وصف الكوارث التي تلقاها الشعب
الفلسطيني من الصهيونية ووليدتها إسرائيل منذ اكثر من مئة عام . واليوم تبرر
إسرائيل جرائمها بحجة العداء للسامية ، رغم أنه ليس هناك عداء لليهود بل هناك غضب
وسخط تجاه سلوك إسرائيل النازي والعنصري والهمجي ضد الشعب الفلسطيني . يعرف العداء
للسامية بأنه العداء أو التحيز ضد الشعب اليهودي ، وما تقوم به إسرائيل واللوبي
الصهيوني هو خلط بين انتقاد إسرائيل والصهيونية من جهة، والتعصب ضد اليهود من جهة
أخرى. ومن الجدير بالذكر أن سلوك إسرائيل الإجرامي هو عامل أساسي في توليد العداء للصهيونية والعداء للسامية . ولقد أصبح العداء للسامية يستخدم في كثير من البلدان من أجل إخراس وقمع أي
شخص او جهة أو فئة تدعم فلسطين.
هناك
علاقة واضحة بين لعب دور الضحية والعداء للصهيونية ، فمن المعروف تماما أن إسرائيل
تحاول دائما تصوير نفسها كضحية ، لذلك فإن ترديد استخدام "اسطوانة" المعاداة للسامية
هو جزء من مهمتها لتصوير نفسها كضحية. أيضا وكما تشير الأكاديمية مورا فينكلشتاين
(التي طُردت من عملها في الجامعة بسبب دعمها لفلسطين) إلى "أن إسرائيل تستغل معاداة
السامية لصرف الانتباه عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في غزة ، والتحريض على
المزيد من العنف ضد الفلسطينيين ، وهو العنف المادي الحقيقي الذي يجب إدانته. إن
مقاومة المشروع الصهيوني العنصري اليهودي ليست معاداة للسامية ، فهذا المشروع
استعماري استيطاني يهدف إلى الإبادة الجماعية. إن مقاومة هذا المشروع هي شكل من أشكال
المقاومة المناهضة للاستعمار ، وإن أي
عنف ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الأفراد الذين يدعمون إسرائيل والإبادة
الجماعية الأمريكية المستمرة هو مقاومة ، ويجب تأطيره على هذا الأساس."
هناك اليوم حملة عالمية
تدعو لطرد إسرائيل من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم اليويفا UEFA والاتحاد الدولي لكرة القدم
الفيفا FIFA، وبالطبع توجه إسرائيل لكل فرد وجهة وفئة تدعو إلى طرد إسرائيل تهمة العداء للسامية ،
بالإضافة إلى تهمة خلط الرياضة بالسياسة وكأنها هي التي لم تستغل الرياضة من أجل
أهدافها السياسية ، فالتاريخ شاهد على أن الصهاينة بدأوا منذ عشرينيات القرن
الماضي باستخدام الرياضة من أجل بناء وطنهم القومي في فلسطين. كما أن وضع إسرائيل
للعراقيل أمام تطور الرياضة الفلسطينية التي كان آخرها قتل الرياضيين في قطاع غزة
واستهداف وتدمير المنشأت والأندية الرياضية بالكامل ما هي إلا أهداف سياسية.
لقد بدأ العالم يعي أن انتقاد إسرائيل لا يعني
العداء للسامية بل هو تعبير عن السخط تجاه سياستها الهمجية التي ترتكبها في
فلسطين. وبالتأكيد فإن معاداة
السامية ليست هي الوسيلة الوحيدة التي تلجأ لها إسرائيل اليوم ، فهناك وسائل أخرى استخدمها
الصهاينة منذ عشرينات القرن الماضي وتستخدمها إسرائيل الآن تعتمد على الخداع
والتضليل والأكاذيب من أجل تبرير جرائمها والإبادة الجماعية التي ترتكبها في قطاع
غزة ، ومن أجل أيضا تلميع صورتها التي أصبحت مشوهة وقبيحة في العالم اجمع .
في عام ١٩٢٨، كتب آرثر روبين، الذي وصفه كاتب إسرائيلي بأنه "الأب الروحي" للاستعمار الصهيوني في فلسطين: "اتضح لي مدى صعوبة تحقيق الصهيونية بطريقة تتوافق مع متطلبات الأخلاق العالمية. شعرتُ باكتئاب شديد." لم ينطق بهذا الكلام شخص معادٍ للسامية ، بل شخص كان من أشدّ مناصري الصهيونية. وبهذا الصدد أيضا قال موشيه شاريت، أول وزير خارجية لإسرائيل ورئيس وزراء لاحقًا: "لقد تعلمتُ أنه لا يمكن حكم دولة إسرائيل في جيلنا هذا دون خداع ومغامرة."
هناك استياء واضح في
إسرائيل من حالة الازدراء التي تتعرض لها الفرق واللاعبون الإسرائيليون من خلال
عدم مصافحتهم أو الهتافات المعادية لهم ولدولتهم او عدم وقوف المتفرجين للنشيد
الوطني الإسرائيلي وغيرها . ولكن في النهاية إسرائيل هي المسؤولة عن هذا الإذلال
وهذه الإهانات وليس لمعاداة السامية أي علاقة هنا، فما تقوم به من إبادة جماعية في
غزة وممارسات وحشية في الضفة الغربية هو السبب في إثارة هذا السخط والغضب تجاهها ،
ناهيك عن أن معظم هؤلاء اللاعبين والفرق يؤيدون حرب التطهير العرقي والإبادة على
قطاع غزة ، فقد مروا بمرحلة التسيّس النازي Nazification التي مر بها معظم جيل الشباب في إسرائيل بسبب الفكر الصهيوني
الذي هو شكل من أشكال العنصرية .
إن كل فعل له رد فعل ، وإسرائيل اليوم تدفع
وستدفع ثمنًا باهظًا لسلوكها الوحشي المتغطرس. ومن الواضح انها لم تأخذ العبر من
دروس التاريخ ، متناسية ومتجاهلة مصير الطغاة والمستبدين. ومن المؤكد أن الكثير من
الذين يحتجون على هذه الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرئيل هم بعينهم يدينون
المحرقة (الهولوكوست) الذي تعرض له اليهود على يد ألمانيا النازية ، حتى أن بينهم
الكثير من اليهود الذين عانوا ويلات الهولوكوست وبقوا على قيد الحياة أصبحوا يدينون
وحشية إسرائيل وهمجيتها تجاه الشعب الفلسطيني. ونرى اليوم أيضا فئات كبيرة من
اليهود المعادين للصهيونية يشاركون في الاحتجاجات ضد الإبادة الجماعية في غزة ويبذلون
قصارى جهدهم لتعرية الصهيونية وفضحها ، والضغط على الإدارة الأمريكية من أجل عدم إرسال السلاح لإسرائيل ، ووقف الإبادة في قطاع غزة. أيضا لا نستغرب عندما نرى يهود عاديين (بينهم
مثقفون وفنانون ورجال دين) اصبحوا يدينون إسرئيل بسبب فزعهم من هول مناظر جرائم القتل
والتجويع التي تقشعر لها الأبدان . لقد سبقت إسرائيل النازية والفاشية في جرائمها
وغطرستها ، وهذا ما أشار له الكثيرين من المراقبين والعاملين في مجال حقوق
الانسان.
تعتبر الرياضة وسيلة
أساسية للسلام والتنمية ، ورغم الحدود والاختلافات بين فئات المجتمع والأمم فهي
أيضا وسيلة عظيمة من أجل توحيد الناس من جميع أنحاء العالم . ويعتبر علماء
الاجتماع أن الرياضة هي منصة للتغيير الاجتماعي ، تتحدى التحيزات وتُمكّن
المجتمعات المهمّشة ، وتُعزّز روابطها من خلال منصّة التغيير الاجتماعي . والرياضة
أيضا هي لغة عالمية تُعزّز قيم الاحترام والكرامة والمساواة والتسامح والإنصاف ،
ويمكن استخدامها لرفع مستوى الوعي وتعزيز الفهم وتطبيق الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان من خلال تعزيز قيم الاحترام والكرامة والمساواة والإنصاف.
وللأسف يلاحظ مؤخرا أن ارتباط الرياضة بحقوق الإنسان أصبح يعاني من خلل
وضعف في قدرة الرياضة على التغيير والوقوف بجانب الذين يعانون من الظلم وعدم
المساواة. والأسئلة المطروحة هنا هو أولًا: هل حقًا تستخدم الرياضة في وقتنا
الحاضر من قبل المؤسسات الرياضية الحاكمة
مثل اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم وغيرها من أجل الوقوف بجانب الشعوب التي تعاني من
التمييز العنصري ؟ ثانيا: هل هي حقا تقوم بترسيخ اسس العدالة والمساواة في العالم ؟ ثالثا: هل
تلتزم هذه المؤسسات بانظمتها ودساتيرها التي تأسست عليها أم أنها تستخدمها فقط كخطابات
من أجل الاستهلاك الإعلامي ومصالحها الشخصية ؟
من جهة سمعنا الكثير من هذه المؤسسات عن مكافحتها
للتمييز العنصري ومعاداة السامية ، ولكن ما نراه اليوم على أرض الواقع وخاصة حرب
الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرئيل يتنافى تمامًا مع المبادىء "الإنسانية"
التي قامت وتقوم عليه هذه المؤسسات خاصة اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي
لكرة القدم عندما تأخذان موقف الصمت والحيادية بشأن ما يحدث في قطاع غزة ، الذي هو بحد ذاته
تواطؤ مع الإجرام الصهيوني.
No comments:
Post a Comment