Friday, August 29, 2025

الرياضة الفلسطينية والهوية الوطنية

   

عصام االخالدي

 

     على مر ما يقارب القرن كانت الرياضة مرآة تعكس الواقع الفلسطيني بكل تفاصيله ، بهويته الوطنية وثقافته واقتصاده وصراعه مع الخصم الصهيوني ونكبته وتشرده وانتصاراته ونكساته. وقد لعبت الرياضة منذ عشرينات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر دورا هاما في إبراز وإثبات الهوية الوطنية الفلسطينية التي بدورها أيضاً كانت محفزا للنشاط الرياضي وعاملاً من عوامل تطور الحركة الرياضة الفلسطينية . وكان للأوضاع السياسية التي تمثلت بوعد بلفور والهجرة الصهيونية إلى فلسطين ونكبة عام 1948 وما لحقها من تبعات حتى حرب الإبادة في غزة انعكاساتها على الحركة الرياضية التي اتسمت بالنزعة الوطنية والتي بدورها كان لها تأثيراتها في تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية .

     لقد سعى الفلسطينيون باستمرار بعد الابتلاء بنكبة عام 1948 من خلال استخدام وسائل عديدة والتي منها الرياضة إلى الاحتفاظ بهويتهم الوطنية وتعزيزها وإثباتها. ففي الوقت الذي لم يعترف فيه العالم بالشعب الفلسطيني بعد نكبة عام 1948، كانت الرياضة احدى الوسائل التي عملت على إثبات وجودهم والحفاظ على هويتهم ، وقد تمثل هذا في مشاركات فلسطين الرياضية على صعيد عربي في بداية الخمسينات ومن ثم على صعيد دولي في الستينات ، وكانت الرياضة أيضا عاملا هاما في التقارب الأخوي وتعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الفلسطيني وأداة من أجل الشعور بالفخر الجماعي الوطني . ولا بد ذكر ما قاله الراحل ياسر عرفات عن فريق مثل نادي الوحدات (تأسس عام 1956 في مخيم الوحدات بالأردن): "حينما لم يكن لنا صوت، كان الوحدات صوتنا". وليس من المبالغ به أنه لا يوجد نشاط استطاع جمع ابناء فلسطين منذ نشوء الحركة الرياضية في العشرينيات وحتى الآن مثل النشاط الرياضي.

     الرياضة هي نشاط حركي تنافسي وعنصر من عناصر الثقافة وشكل من اشكال الوعي الاجتماعي ، وبالإضافة إلى كونها وسيلة صحية ترفيهية فهي أيضا وسيلة تربوية متعددة الجوانب تعمل على تربية النشء والشباب اخلاقيا وذهنيا ومعنويا وفكريا ووطنيا. ووفقا لجيرمي ماكلين ، يمكن استخدام الرياضة كأداة لتحديد الهوية ، مما يمنح الناس شعوراً بالاختلاف وطريقة لتصنيف أنفسهم بين الأمم الأخرى. [1] ومن المؤكد أن الرياضة هي من أكثر الوسائل الثقافية في شحن الحس القومي والوطني وإبراز الهوية الوطنية . وبهذا الصدد قال الزعيم والمناضل الجنوب افريقي نلسون منديلا بعد فوز بلاده في بطولة العالم في الرجبي عام 1995 عن الرياضة أنها "قوة باستطاعتها تحريك مشاعر الناس بطريقة يعجز عنها اي شيء آخر."[2]

   تشير الهوية الوطنية إلى شعور الفرد بالانتماء إلى دولة أو أمة ، أو شعوره بالتضامن مع جماعة معينة بغض النظر عن جنسيته الفعلية.[3] أيضاً تُعرَّف الهوية الوطنية بأنها الشعور الجماعي بالانتماء إلى أمة، والذي يتشكل من خلال القواسم الثقافية المشتركة ، ويتأثر غالبًا بعوامل مثل العرق والدين واللغة ، كما تشمل تعقيدات التعددية الثقافية وتفاوت درجات الشمول أو الحصرية داخل المجتمع الوطني.[4]

نشوء الهوية الوطنية الفلسطينية

   يشير عصام نصار إلى أن بعض المؤرخين، وخاصةً الإسرائيليين يقترحون أن الهوية الفلسطينية كانت رد فعل على الوجود الصهيوني، وأن نشأتها حديثة في ستينيات القرن الماضي. كما وترى بعض الدراسات الفلسطينية أن تشكيل الهوية الفلسطينية عملية تاريخية حديثة نسبيًا تعود إلى الأحداث التي أحاطت ببداية الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، وفترة الانتداب البريطاني، وفشل الحركة القومية العربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. على سبيل المثال ، يذكر محمد مصلح (1988) أن القومية الفلسطينية "وصلت إلى وجودها المستقل بشكل رئيسي نتيجة للفوضى والاضطراب الذي أصاب الحركة القومية العربية الأوسع" بعد سقوط حكومة الأمير فيصل بين عامي 1918 و1920. [5]

   كان الخطر الصهيوني احد عوامل تبلور الهوية الوطنية الفلسطينية ، إلا أنه وكما يؤكد رشيد الخالدي أنه على الرغم من أن التحدي الصهيوني ساعد بالتأكيد في تشكيل الشكل المحدد الذي اتخذته الهوية الوطنية الفلسطينية ، فمن الخطأ الجسيم الإشارة إلى أن الهوية الفلسطينية ظهرت بشكل أساسي كرد فعل على الصهيونية.[6] في الواقع، غالبًا ما يُنظر إلى الهوية والقومية الفلسطينية على أنهما مجرد تعبيرات حديثة عن معارضة غير منطقية (إن لم تكن متعصبة) لحق تقرير المصير القومي اليهودي. لكن الهوية الفلسطينية، شأنها شأن الصهيونية، نشأت استجابةً لمحفزات عديدة، وفي نفس الوقت تقريبًا الذي ظهرت فيه الصهيونية السياسية الحديثة.[7]

    ومن الملفت للانتباه ما يشير إليه بشارة دوماني "وإلى أن نتمكن من رسم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين سكان مختلف مناطق فلسطين خلال الفترة العثمانية، لا يمكننا أن يكون لدينا فهم واضح لسياسات الهوية، ولا يمكننا أن نجيب بثقة على أسئلة متى وكيف ولماذا وبأي طريقة أصبحت فلسطين أمة في أذهان الناس الذين يسمون أنفسهم فلسطينيين اليوم." [8] وبمعنى آخر بدون تعقب كافة النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفهم خواصها وآلياتها وتطورها فإنه من الصعب فهم تاريخ فلسطين وهويتها الوطنية.

نشوء الرياضة

    إن معظم الأندية التي نشأت في العشرينات من القرن الماضي هي امتداد للأندية الوطنية التي نشأت في بداية القرن العشرين مثل النادي العربي والمنتدى الأدبي ، وكما يشير محمد مصلح فقد انخرط السياسيون الفلسطينيون الشباب في السياسة الفلسطينية من خلال منظمتين : المنتدى الأدبي والنادي العربي ، وتمثل المنظمتان جيلاً جديدًا من الناشطين السياسيين. [9] بالإضافة إلى النادي والمنتدى ، فإن مجموعة أخيرة من الجمعيات السياسية العربية تستحق الذكر بشكل خاص ، لأنها كانت تشارك في إعداد المقاومة المسلحة ضد البريطانيين والصهاينة. ولعل أكثر هذه الجمعيات سرية نشاطاً هو جمعية ''الإخاء والعفاف'' (جماعة الإخوان والنقاء). [10] أما المنتدى الدجاني ، فقد تم إنشاؤه في القدس في وقت ما في صيف عام 1919 ، وكان بقيادة حسن صدقي الدجاني من القدس ، وكانت عضويته مقتصرة على الأعضاء الأصغر سناً من عائلة الدجاني الأرستقراطية. [11] وقد تحول هذا المنتدى فيما بعد إلى نادٍ رياضي ، ومن المرجح انه استمر حتى الأربعينيات.

    بعد وعد بلفور 1917 بدأ يلاحظ هذا التسارع في تأسيس الأندية والجمعيات الخيرية والكشفية والنسائية ، وكان تأسيسها مطلباً ملحاً من أجل الرد على الخطر الصهيوني . وكانت حركة إنشاء النوادي والجمعيات العربية في فلسطين مظهراً من مظاهر النشاط السياسي والثقافي الذي شهدته فلسطين بين سنتي 1918 – 1920 وظاهرة من ظواهر الحركة الوطنية الفلسطينية وأداة من أدواتها".[12]  ورغم أن المؤسسة الشبابية سبقت الرياضية ، إلا أن الرياضة لم تتأخر كونها ارتبطت بالتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المشرق العربي وبضمنها فلسطين ، وتجذرت مع الاحتلال ومن ثم الانتداب البريطاني  ، إلا أنها ولدت برؤية وطنية خالصة . عبرت عن النضال السياسي العربي الجمعي في سوريا الكبرى من جهة ، وعن مناهضة المشروع الصهيوني وموجات الهجرة المدعومة بريطانياً من جهة أخرى. وذلك مع نهاية العقد الأول من القرن العشرين. [13]

    لقد نشأت الأندية التي انتشرت في المدن والقرى الفلسطينية كاجتماعية رياضية كان النشاط البدني فيها رئيسي أو على الأقل متساويا مع الانشطة الاخرى كالاجتماعية والكشفية والثقافية والفنية. وكان نشاط الأندية في تلك الفترة يأخذ طابعا وطنيا اجتماعيا،  فنشوءها كمؤسسات اجتماعية سياسية كان يعكس سعي الفئات المثقفة من أجل التعبير عن حسها الوطني المعادي للانتداب والصهيونية. فيما بعد بدأ يبرز الطابع الرياضي لهذه الأندية بالإضافة إلى الاجتماعي والثقافي وذلك عندما أصبحت الرياضة تشكل جزء من الوعي الاجتماعي بعد أن بدأ انتشارها في فلسطين في منتصف العشرينيات .[14] فمن المعروف أن العديد من الأندية نشأت كرياضة في البدء وخاصة في العشرينيات وتبنت انشطة اخرى مثل الوطنية والثقافية والاجتماعية . وكان نشاط الأندية والجمعيات يختلف حسب العمر ، والدين والطائفة والوعي السياسي ، وكانت تختلف فيما بينها بما يتعلق بالعمل السياسي الوطني ، فمنها ما انخرط بهذا النشاط ومنها ما كان بمعزل عنه . يعرف النادي بأنه مؤسسة اجتماعية توحد اعضائه اهداف ومهام مشتركة ، ويعتمد على نشاط اعضائه وعلى الدعم الاجتماعي والوطني له. ولقد كان للأندية العربية في فلسطين دور كبير في تشكيل الشخصية الفلسطينية وإكسابها حس الانتماء والروح القومية الوطنية.

     لقد كان نشوء هذه الأندية الرياضية عاملاً في نشوء الوعي الوطني القومي ، فعلى الرغم من أن المشاعر الوطنية والوعي السياسي كانا قوة دافعة قوية في مشاركة الاعضاء [أي أعضاء الجمعيات والأندية]، إلا أن العكس ربما لعب دورا أيضا ، فكما تشير فلايشمان أن هذا الحس السياسي والقومي قد نشأ من عمل هذه الجمعيات الخيري والاجتماعي (من ضمنها الأندية) ، حيث أصبح الأعضاء على وعي متزايد بالقيود ونتائجها المحبطة على التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية المتأصلة في إطار الإمبراطورية (تحت العثمانيين) أو الاستعمار (تحت الانتداب).[15]  

    في عام 1923 دعا المؤتمر الأوثوذكسي الأول الذي عقد في مدينة حيفا إلى تأسيس الأندية والمدارس الأرثوذكسية العربية في فلسطين وشرقي الأردن وبث روح التآخي والتعاون بين الهيئات الأرثوذكسية. وقد عقد هذا المؤتمر بسبب النزاع بين العرب الأرثوذكس والرئاسة الروحية اليونانية والذي بدأ عام 1872 واستؤنف عام 1908 في أثر إعلان الدستور العثماني ، فهبت الطائفة الأرثوذكسية تطالب الحكومة برفع نير الظلم عن أعناقها واسترجاع حقوقها التي اغتصبها الرهبان الغرباء . وفي سنة 1923 عادت المشكلة الأرثوذكسية إلى الظهور ، ومنشأها انتخاب أسقف لمدينة  الناصرة لا يعرف العربية لغة الشعب ، وهي صفة قانونية من الصفات المقتضاة لهذا المنصب.[16] وكان النادي الأرثوذكسي في يافا هو أول ناد تأسس بعد المؤتمر الأول وتلاه تأسيس النادي الأرثوذكسي في القدس عام 1926 وفي اللد والرملة وحيفا  عام 1927 ، وفي عكا عام 1929.

  وهذا مثال آخر حول كيف كان العامل الوطني هاما في نشوء نادٍ مثل نادي العرب في حيفا حيث تذكر صحيفة الدفاع "يذكر القراء أنه كان في حيفا نادٍ يعرف بالنادي الساليسي (الساليزيان) وكان يضم نخبة مختارة من شباب حيفا المثقفين الناهضين. وقد حدث في الحفلة التي أقامها النادي يوم تسليمه الدرع [المقدم من مؤتمر الشباب – الكاتب] ما أدى إلى مس الكرامة القومية فغضب الشباب لقوميتهم وانفصلوا عن الساليزيان وأسسوا ناديا عربيا سموه نادي الشباب العرب ، وقد قوبل هذا النادي في حيفا وفي الأوساط  الوطنية بالارتياح . وقد طلب النادي المذكور أن يكون تحت رعاية لجنة مؤتمر الشباب  فقبلت [اللجنة] ذلك لرغبتها في تعاون الشباب وإيجاد رابطة بينهم."[17]

الصهاينة والهيمنة على الحركة الرياضية

    إن محاولة الصهاينة التفرد والهيمنة على الحركة الرياضي في فلسطين منذ عشرينات القرن الماضي كان بمثابة طمس للهوية الفلسطينية وسعي لإبراز الهوية اليهودية من خلال استغلال الرياضية ، وهذا ما أدى إلى صراع على الساحة الرياضية الذي بدأ بعد  تأسيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم من قبل اليهود والعرب والإنجليز عام 1928 عندما تفرد الصهاينة به وحاولوا إبعاد العرب عنه ، مما دفع العرب إلى تأسيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عام 1931 ليكون ممثلا للأندية العربية في فلسطين. وفي عام 1934 قام الصهاينة بتأسيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية وتجاهلوا فيما بعد الوجود العربي الفلسطيني من باب التفوق الرياضي والهيمنة وإخفاء الهوية العربية الفلسطينية على الساحة الرياضية.

 منذ عام 1931 وحتى عام 1936 كان هناك تعاون كبير بين الحركة الرياضية الكشفية والشبابية وهذا ما تميزت به هذه الفترة. وكان المهرجان الذي اقامه الاتحاد الرياضية الفلسطينية بالاشتراك مع مؤتمر الشباب وكشافة فلسطين في تموز 1935 رد على مهرجان المكابياد الذي أقيم في عام 1932 و1935 (مهرجان رياضي أقامته منظمة المكابي العالمية - منظمة رياضية يهودية كانت تضم أندية في العديد من الدول الأوربية وفلسطين - بالتعاون مع القيادة الصهيونية  من أجل جلب أكبر عدد من المهاجرين إلى فلسطين بطريقة التلاعب والخداع) ، ومن الجدير بالذكر أن الصحافة الصهيونية حذرت من هذا النوع من المهرجانات (مهرجان تموز 1935) لأنه يأخذ شكلا وطنيا قوميا. ولا بد للقول أن الهيمنة الصهيونية والنشاطات الرياضية الصهيونية التي كانت تعتبرة خطرا على استقلال العرب كانت محفِّزة  للنشاط الرياضي العربي في فلسطين منذ بداية الثلاثينات وحتى عام 1936 الذي كان يأخذ طابعا وطنيا محضاً . 

    كان هناك تراجع في نشاط الرياضة العربية في فلسطين بسبب ثورة 1936 المجيدة مما اضطر بعض فرق الأندية العربية للانضمام إلى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، فمن المعروف أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي كان يهيمن عليه اليهود كان عضوا في الاتحاد الدولي لكرة القدم وهذا ما اعطاه ميزة التفوق واحتكار الساحة الرياضية الفلسطينية ، حتى أنه كان على الفرق العربية في الدول المجاورة أخذ إذنٍ خاص من هذا الاتحاد من اجل التباري مع شقيقاتها الفرق العربية في فلسطين وكان هذا بالطبع يشكل إهانة وتهميش للثاني ، غير أنه وفي بداية الأربعينات أخذت بعض الأندية العربية بالانسحاب من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم.

   في أيلول 1944 تم إعادة تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي ارتكز على اسس تنظيمية اجتماعية اعطته زخما وطنيا مما عزز من محاولاته للانضمام إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم من أجل إبراز الهوية الوطنية (العربية) الفلسطينية. ورغم رفض طلب عضويته إلا أن الاتحاد الدولي (الفيفا) اعترف بالمستوى الرياضي المقبول الذي وصلت إليه كرة القدم العربية في تلك الفترة مما أثار قلق الجانب الصهيوني. [18] وقد كان لقوة التنظيم التي تميزت بها الحركة الرياضية العربية في الأربعينيات والتفاني الذي أبداه الكثيرون دورا هاما في دفع الحركة الرياضية إلى الأمام لتشكل تهديدا على هذه الهيمنة الصهيونية وتزاحمها حتى في عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) الذي بدوره اقتنع بوجود حركة رياضية عربية قوية في فلسطين رغم رفضه طلب الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي). ويصح القول أنه كان هناك تفاعل متبادل بين النشاط الرياضي الفلسطيني في حقبة الانتداب والنشاط الوطني بشكل عام فكلاهما كان له تأثير ايجابي على الآخر في دفع الحركة الرياضية إلى الأمام وفي الحفاظ وإبراز وتعميق الهوية الوطنية .

الصحافة الرياضية ودورها في تعميق الهوية الوطنية

     إن ما ميز الأخبار الرياضية في معظم الصحف الفلسطينية (فلسطين ، الدفاع ، الكرمل وغيرها) هو عداؤها للصهيونية ، فقد عملت الأخبار الرياضية على إضفاء الطابع الوطني للرياضة العربية في فلسطين وتصدت للمحاولات الدائمة للهيمنة الصهيونية على الحركة الرياضية. وكانت هذه الأخبار في كثير من الاحيان تعتمد على مشاركات القراء الذين كانوا يساهمون في تعليقاتهم وانتقاداتهم .  وكان واضحا تصدي الصحافة الرياضية لمهرجاني المكابياد في عام 1932 و1935. وقد حذرت صحيفة (فلسطين) الأندية العربية من الاشتراك في هذا المهرجان تحت عنوان "مقاطعة الألعاب المكابية بتل أبيب ، الوطنية تتغلب على الدسائس الصهيونية".[19] كما هاجمت صحيفة (الدفاع) وفضحت وبجرأة هذا المهرجان غير آبهة بالرقابة على الصحافة من قبل سلطات الانتداب في تلك الفترة.[20]. وقد شهدت الصحافة الرياضية نقلة نوعية في فترة 1944 – 1948 عندما انتظمت الأخبار في زاوية (الألعاب الرياضية) في صحيفة فلسطين و(زاوية الدفاع الرياضية) في (الدفاع) ، فقد اصبح هناك ترابط واضح بين الأندية والاتحاد الرياضي الفلسطيني من جهة والصحافة من جهة أخرى ، بالإضافة أن الصحافة الرياضية أصبحت أداة طيعة في يد الاتحاد الرياضي الفلسطيني بعد إعادة تأسيسه وداعمة له وكان هذا بمثابة إنجاز يصب في مصلحة فلسطين الوطنية.

    بعد اعادة تأسيسه كان الاتحاد يتوجه أحيانا من خلال صحيفة (فلسطين) إلى تأجيل المباريات بمناسبة الذكرى السنوية لوعد بلفور المشؤوم وتضامنه مع مختلف الهيئات استنكارا لهذا الوعد الجائر ،  كما كان الاتحاد أحيانا يتوجه عبر صحيفة (فلسطين) بالتهاني إلى بعض الرياضيين بعد خروجهم من المعتقل، حيث كانت الملاعب تحرم منهم لمدة طويلة بسبب نشاطهم الوطني.

الشتات والهوية الفلسطينية

    يشير رشيد الخالدي إن الشتات وإن كان قد زوَّد الفلسطينيين بتجربة خاصة تميزهم عن غيرهم من الشعوب ، إلا أنه أدى أيضا إلى إعاقة بروز الهوية الفلسطينية سياسيا وإن إلى حين. ورغم ذلك ، فإن فترة اللجوء هذه هي التي شكّلت مراحل البداية، أو بتعبير الخالدي "ما قبل التاريخ"، للجيل الفلسطيني الوطني الجديد. [21] ومن المتفق عليه أن احدى أهداف الصهاينة لم تكن طرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم  بل كانت أيضا منصبة على إخفاء وتشويه تاريخهم وإلغاء هويتهم الوطنية فقد ظنوا بأن اقتلاعهم من ارضهم وتجنيسهم بهوية الدول التي لجؤوا لها سوف يؤدي إلى إفقادهم هويتهم الوطنية ، إلا أن الحلم الصهيوني باء بالفشل ليس لأن كثير من الدول رفضت التجنيس فقط ، بل لأن الفلسطينيين ناضلوا من أجل الاحتفاظ بهويتهم ، فقد استخداموا كل الوسائل من أجل إثبات هذه الهوية التي كانت مرتبطة بحقهم بالعودة ونيل حقوقهم الوطنية ومن من أجل اعتراف العالم بهم. وبالطبع كانت الرياضة ضمن هذه الوسائل حيث لازمت الفلسطينيين إلى أماكن لجوئهم ومخيماتهم وازقتها.

   من المعروف أن مركز ثقل الحركة الرياضية في فلسطين الانتدابية كان في مدينة يافا ثم انتقل بعد النزوح بسبب النكبة ليستقر في غزة حتى عام 1967. وعلى الرغم من تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية البائسة التي عانى منها أبناء القطاع تحت الإدارة المصرية إلا أن عزاءهم تمثل في بروز الهوية الوطنية الفلسطينية ودور النظام المصري في تعميق هذه الهوية وبلورتها عبر كافة وسائل الإعلام ، بحيث أصبح القطاع من أكثر التجمعات الفلسطينية قدرة على التعبير المنظم عن هويتهم الوطنية بكافة مظاهرها السياسية والعسكرية ، إضافة إلى ذلك فقد التزمت الإدارة المصرية بإبقاء الهوية الوطنية (والجنسية) صفة ملازمة اللشعب الفلسطيني في القطاع ، وكان لهذا الموقف دوراً هاماً في الحفاظ على الكيان الفلسطيني وشكل حافزاً قوياً لكل القوى والحركات الوطنية القومية والأممية في نضالها ضد الوجود الصهيوني ، ومهد الطريق نحو ولادة منظمة التحرير الفلسطينية. [22]

   وقد تمثل الدعم المصري على الصعيد الرياضي بإدارة عالية التنظيم وبإعداد الكوادر الرياضية وبتمثيل فلسطين في الدورات الرياضية العربية. وكان أول مشاركة لفلسطين على صعيد عربي عام 1953 في دورة الألعاب العربية في الإسكندرية في مصر. كما وشاركت في الدورة الثالثة في المغرب 1961 والرابعة في القاهرة 1965. وكانت تلك المشاركات بمثابة خطوة عظيمة تخطوها الحركة الرياضية الفلسطينية في محاولتها إظهار الهوية الوطنية الفلسطينية. لقد كان هناك تطور واضح في الرياضة الفلسطينية (التي احتفظت بهويتها الوطنية) في قطاع غزة الذي شهدت فيه الرياضة تطورا ملحوظا منذ بداية الخمسينات وحتى عام 1967. وكان أول مشاركة لفلسطين على صعيد دولي عام 1966 في بنوم بنه في كمبوديا في دورة الصداقة أو ما كانت تسمى بألعاب القوات الجديدة الناشئة (جانيفو GANEFO) حيث لعب الفريق الكروي الفلسطيني مع اليمن وكوريا الشمالية والصين وفيتنام وكمبوديا. وكان يتم تجميع عناصر المنتخب الفلسطيني من قطاع غزة والشتات (لبنان ، مصر وسوريا وغيرها).

   في عام 1962 تأسس في غزة الاتحاد الرياضي الفلسطيني وكان يضم العديد من الرياضات التي منها كرة القدم وكرة السلة والطاولة وألعاب القوى. في عام 1963 قام الاتحاد الرياضي الفلسطيني  – لجنة كرة القدم طلبا للانضمام إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) إلا أن طلبه هذا قوبل بالرفض تحت حجة أن "لا وجود لدولة تُدعى فلسطين، وبالتالي لا يُمكن أن تكون غزة جزءًا من فلسطين. إن قبول جزء من دولة كعضو مستقل يُخالف لوائح الفيفا." [23]

   لقد حرصت القيادة الوطنية في مصر على احتفاظ قطاع غزة باسم فلسطين في كافة المحافل العربية والدولية وتم تثبيته رسمياً في الأمم المتحدة باعتباره "الجزء الباقي من فلسطين" كما التزمت بالإبقاء على القوانين الفلسطينية الصادرة بمرسوم فلسطين لسنة 1922 كما هي مع اشتراط عدم مخالفة هذا المرسوم لما جاء في النظام الأساسي الصادر بالقانون رقم 225 الصادر سنة 1955 ، وفي شهر آب 1958 أصدر مجلس الدولة المصري فتواه التي تؤكد على "أن قطاع غزة ينفصل انفصالا كلياً عن دولة مصر من جميع النواحي التشريعية والتنفيذية والقضائية ". وفي عام 1962 صدر القانون الدستوري لقطاع غزة وتقرر العمل به لحين صدور الدستور الدائم لفلسطين وقد ورد في المادة الأولى منه "منطقة قطاع غزة جزء من أرض فلسطين ، وشعبها جزء لا يتجزأ من الأمة العربية". [24] ورغم ذلك فإن معظم الاتحادات الرياضية الدولية للأسف كانت تنظر إلى قطاع غزة على أنه ليس دولة ذات سيادة بل أنه خاضع للإدارة المصرية .

 لقد كان هناك احتجاجات حول انضمام فلسطين إلى الاتحادات الرياضية الدولية من عدد من الدول بأن فلسطين لا تستطيع أن تكون عضوا بها لأنهم لأن الضفة الغربية وقطاع غزة وكل أماكن الشتات لم يكونوا حقيقة دولة مستقلة ذات سيادة. وبالطبع فأول هذه الدول كانت إسرائيل التي كانت ترفض وجود اسم لفلسطين في المحافل الدولية ساعية إلى طمس اسمها وهويتها.

   كانت الجهود الدائمة للانضمام الى الفيفا وغيرها من الاتحادات الرياضية بمثابة نيل الاعتراف بفلسطين كرويا لتظهر على الساحة الدولية ممثلة لشعبها في كل مناطق الشتات. وفي رسالة من الاتحاد الرياضي الفلسطيني إلى الفيفا جاء فيه أنه "تم الاعتراف بثلاثة اتحادات أخرى في فلسطين في اتحاداتها الدولية، وهي الملاكمة ورفع الأثقال وكرة السلة." [25] وهذا دليل على بذل القيادات الرياضية في تلك الفترة مجهودا كبيرا لتطوير الرياضة وظهورها على صعيد عربي ودولي.

1967 - 1993

   كانت الحركة الرياضية تسير بالتوافق والتوازي مع الحركة الوطنية وهذا ما عزز سمتها الوطنية، وليس من الغريب ان نجد بعض الأندية التي كانت تعمل تحت قيادة الفصائل الوطنية (مثل فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) مباشرة حيث كانت تركز نشاطاتها على العمل الوطني مستخدمة كل الوسائل الثقافية والفنية والرياضية . وكانت بعض المباريات خاصة في كرة القدم وكرة السلة تتحول إلى مهرجانات وطنية ترفع بها شعارات وهتافات واناشيد منددة بوجود الاحتلال ومطالبة بإنهائه. 

   إن الذي ميز الرياضة في تلك الفترة هو أصالتها حيث كانت ترتكز على أسس تنظيمية إدارية تتوافق مع البنية التنظيمة الاجتماعية للأندية والظروف السياسية في الضفة والقطاع ، وقد جمعت الرابطة معظم الأندية الرياضية الاجتماعية في الضفة والقطاع تحت غطائها. ومن الجدير بالذكر أن استمدت الرابطة شرعيتها من قاعدة شعبية ورياضية واسعة في الضفة الغربية وقطاع غزة.  كما وكانت خالية من شوائب الفساد والمحسوبيات والبيروقراطية وكانت تتمتع بمستوى عال من الديمقراطية والتعاون المثمر والحس الوطني ، ومن الترابط الأخوي بين أبناء الشعب الواحد. ورغم أن ظهور الرياضة الفلسطينية في الضفة والقطاع على الصعيد العربي والدولي كان محدوداً إلا أنها احتفظت بهويتها الوطنية ،  وكان للاحتلال ومعاناته اليومية الأثر الأكبر في  الظهور الدائم لهذه الهوية.  

      في عام 1968 وبقرار من منظمة التحرير الفلسطينية تم إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الشباب ، وفي عام 1969 اقيمت عدة لجان فرعية في لبنان والأردن وسوريا والعراق ومصر والكويت والمملكة العربية السعودية وقطر والأمارات. وبعد عام 1970 تم نقل مقر هذا المجلس من الأردن إلى لبنان وتم تأسيس أندية جديدة في لبنان وسوريا والعراق. وبهذا تطور النشاطات الرياضية الكشفية . وفي المؤتمر الأول لهذا المجلس تقرر تغيير الاسم إلى "المجلس الأعلى للشباب والرياضة". ومن الجدير بالذكر أن اتحادات عديدة قد تشكلت في فترة السبعينات والثمانينات بعضها انضم إلى الاتحاد الدولية ، وبعضها تم رفضه ، وقد شاركت فلسطين رياضيا على صعيد اقليمي وعربي ودولي ومع ذلك وبرغم السعي المستمر للانضمام إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم في عام 1977 و1979 إلا أن طلبها هذه ووجه بالرفض تحت نفس الذرائع وعلى غرار الحجج السابقة .

 

1993 - وقتنا الحالي

    ليس من المبالغ به أنه في ظل الاحتلال وممارساته القمعية والتشتت فإن الرياضة الفلسطينية قد اكتسبت طابعا سياسيا اكثر من نظيراتها في الدول الأخرى. كما وأن انضمام فلسطين إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم في عام 1998 وخروجها إلى الحيز الدولي أضاف لها هوية وطنية وسياسية . ورغم أن مشاركتها الدولية بدأت منذ ستينات القرن الماضي إلا أن هذه الهوية الوطنية السياسية بدأت ملامحها تظهر واضحة منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، فمثلا يعتبر النشاط الذي الذي يخوضه الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم على صعيد دولي ومساعيه لطرد إسرائيل من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) نضالا وطنيا سياسيا احد اهدافه هو معاقبة الاحتلال وفضح ممارساته. ومن الواضح أن هناك تداخل بين الهويتين الوطنية والسياسية الفلسطينية وتفاعل متبادل ومترابط بينهما . وبهذا الصدد يشير رمزي بارود إلى أن الرياضة تبقى بالنسبة للفلسطينيين وخاصة كرة القدم منصةً قويةً للمقاومة الثقافية ، ويشهد كل جانب من جوانب مباراة كرة القدم الفلسطينية على هذا الادعاء. وإن أسماء الفرق، وهتافات المشجعين، والصور المطرزة على قمصان اللاعبين، وغيرها الكثير، ما هي إلا رموزٌ للمقاومة الفلسطينية: أسماء الشهداء، وألوان العلم، وما إلى ذلك. لهذا فإن كرة القدم في فلسطين هي نشاط سياسي.[26]

    لا شك بأن محاولة انضمام فلسطين إلى اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ومشاركة فلسطين على الساحة الدولية ووضع  الرياضة على اسس تنظيمية واجتماعية وسياسية - فكرية والتفاف فئات واسعة من شعبنا حولها والقيادة الرياضية الحكيمة ودعم قيادتنا السياسية الفلسطينية لها والتي رأت فيها (قياداتنا) وسيلة عظيمة تستطيع استخدامها في الوصول إلى عدة أهداف وطنية وسياسية بمجموعها سارعت في تعميق هذه الهوية الوطنية .

   من التطورات التي حصلت بعد توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، كان إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية واستقدام فلسطينيي الشتات مما خلق تنوعا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا جديدا على الساحة الفلسطينية. فقد عملت السلطة الفلسطينية الجديدة على دمج النخب السياسية والاجتماعية بصهر المجتمعات "المجزأة في الضفة الغربية وغزة، وهو أمر لم تستطع الحركة الوطنية أن تفعله خلال 29 عاما من الحكم الإسرائيلي... وبهذا فقد تم تجاوز الانقسام الذي كان سائدا في السياسة الفلسطينية بين قوى الخارج والداخل."[27] وبناءً على ذلك، خلال "سنوات أوسلو"، تفاقم الانقسام بين العائدين وشركائهم من جهة، وبين النشطاء الرياضيين المستقلين (الذين يمثلون الرياضيين والمحاربين القدامى وقادة الأندية الرياضية الاجتماعية) وقادة رابطة الأندية السابقين من جهة أخرى. كان هؤلاء الأخيرون يشعرون باستياء متزايد من هياكل السلطة الناشئة في السلطة الفلسطينية، واستاءوا من تهميشهم وتجاهلهم، وإجبارهم ليس فقط على العمل مع السلطة الفلسطينية الجديدة، بل أيضًا على الخضوع لأوامرها. كان هذا صراعًا ثقافيًا وأخلاقيًا متجذرًا في الاستياء من فقدان المبادرة والاستقلالية.[28]

   إن التركيز على الضفة كمركز لجميع النشاطات سواء السياسية أو الثقافية أدى إلى ضعف منظمة التحرير الفلسطينية . فقد شعر اللاجئون الفلسطينيون خاصة هؤلاء الذين نزحوا في عام 1948 أنهم مهمشون على اصعدة كثيرة بما فيها الرياضية فمنظمة التحرير الفلسطيني التي كانت تمثل مصالحهم الرياضية في السابق اصبحت بديلتها السلطة لا تمثل هذه المصالح. وفي مجمل الحديث وبغض النظر عن النجاحات التي حققتها الرياضة الفلسطينية على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي إلا أنها مثل منظمة التحرير الفلسطينية (التي يصفها مازن المصري) تحولت من وسيلة "ثورية" تسعى لتحقيق الأهداف الوطنية إلى مؤسسة يعتمد بقاؤها على شرعيتها في اعين المجتمع الدولي اكثر من على شعبيتها بين الشعب الفلسطيني. [29]

    إن هذا الخوف الإسرائيلي من الرياضة الفلسطينية اليوم ليس بجديد فقد بدأ في ثلاثينيات واربعينات القرن الماضي واستمر بعد النكبة في كواليس الاتحاد الرياضية الدولية والتي منها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ، وإبان الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع. وهناك عشرات الآلاف من الانتهاكات الإسرائيلية بحق الرياضة الفلسطينية والرياضيين والقياديين الرياضيين والمنشآت الرياضية بما فيها الملاعب التي تصور غطرسة المحتل . وبغض النظر عن تبعات اتفاقية أوسلو إلا أن إسرائيل كانت دائما تخشى تطور الرياضة الفلسطينية وظهور فلسطين على الصعيد المحلي والعربي والدولي فما يخيفها هو اسم فلسطين وعلم فلسطين وكل ما له علاقة بفلسطين .  يشير محمد حلاج إلى أن "ما تعترضه سلطات الاحتلال الإسرائيلية ، في الواقع ، هو مفهوم فلسطين ، وبالتالي ، فإن أي شكل من أشكال التعبير عن هذا المفهوم محظور. [30]  بالتأكيد إننا أمام خصم صهيوني واعٍ لجوهر وفوائد الرياضة لما لها من تأثيرات على المجتمع الفلسطيني ومسيرته النضالية. واعٍ بأن الرياضة هي وسيلة تربوية عظيمة تعمل على تقدم المجتمعات وصقل شخصية الجيل الناشىء وتسليحه بقيم اخلاقية ووطنية ونضالية.

 

حرب الإبادة في قطاع غزة

    إن حرب الإبادة التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في القطاع بما فيها قتل المئات من الرياضيين والدمار الشبه كامل للبنية التحتية الرياضية ، ولا تشمل الإبادة الجماعية فقط القتل والمجازر والتعذيب والتجويع بل أيضا محو التاريخ والهوية والقضاء على كل هذا الميراث الثقافي الذي من ضمنه الرياضة الفلسطينية التي بدورها تشكل إرثاً ثقافيا منذ حوالي القرن من الزمن. إن الدمار الذي لحق بالمنشآت الرياضية والأندية وقتل الرياضيين والصحفيين والقياديين الرياضيين وتوقف النشاطات الرياضية بالكامل له تأثير سلبي ومدمر على الرياضة وعلى الهوية الوطنية التي تبرزها الرياضة. إلا أنه في الوقت الذي تشهد الرياضة به دماراً كاملاً يتوجب عدم إغفال الوسائل الأخرى التي يبرز بها شعبنا من خلالها هويته الوطنية ، وهذا ما نراه اليوم في التعاطف الدولي مع معاناة شعبنا في غزة. لقد دفع الشعب الفلسطيني في القطاع دمه ليس من أجل صموده والحفاظ على هويته الوطنية فقط ، بل أيضا من أجل تحريك الضمير العالمي لنصرة قضيته ، وقد أصبح العَلَم الفلسطيني الذي يمثل الطموح والنضال الفلسطيني رمزاً وسلاحاً للحرية والانسانية واحدث ثورة في الوعي الأخلاقي في العالم اجمع.

 

العولمة وآثارها على الهوية الوطنية الفلسطينية

  هناك علاقة واضحة بين العولمة والرياضة ، ففي وقتنا الحاضر أصبحت الرياضة تخضع لتأثيرات العولمة. ومن المعروف أنه بعد انضمام فلسطين إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) فرض الأخير متطلبات عدة التي كان منها الاحتراف حيث اصبحنا نرى فيما بعد احتراف اللاعبين وتركهم لأنديتهم التي كانوا ينتمون إليها واللعب في أندية أخرى وفي دول أخرى أيضا . وكما هو معروف أن الاحتراف هو جزء من العولمة التي لم تفرض على فلسطين وحدها بل على كل المجتمعات في الدول النامية ، وكان هذا الاحتراف مناقضا ومنافيا للتراث النضالي والأصالة التي ترسخت منذ عقود طويلة والتي من ضمنها انتماء العضو لناديه ولقريته ومدينته ، لأن أكثر ما كان يميز الرياضة الفلسطينية هو انتماء العضو لناديه وتكريس وقته وجهده من أجل رفع مستوى هذا النادي ، كما أن الهوية الوطنية ليست مقتصرة على انتماء الفرد لوطنه ، بل أيضا إلى مدينته وقريته وناديه ، ورغم خروج بعض اللاعبين الفلسطينيين للعب مع فرق اوروبية إلا أنهم أيضاً يعملون على إبراز هويتهم الهوية الوطنية .

   إن الحقيقة المزعجة هو أنه بالرغم من أنه هناك الكثير من الايجابيات الملازمة لحركة العولمة في الرياضة ، إلا أن هناك البعض الذين يعارضون عولمة الرياضة التي تم تحقيقها على حساب الأفراد والمنظمات والبلدان التي لها مصادر محدودة  ، فبقدر كبير فإن عولمة الرياضة تحققت على ظهر الفقراء. [31] وكما يشير ويرثايم (2005 ، ص. 79) مع كل ايجابيات العولمة إلا أنها لا تخلو من العيوب التي من ضمنها توسيع الفجوة بين المجتمعات الغنية والفقيرة وتوسيع المعايير البيئية وزيادة الاعتماد على المصادر الخارجية. وبكلمات اخرى فإن العولمة هي مثل الرياضة : مقابل كل فائز فإنه بالتأكيد هناك أيضا مهزوم .[32] أيضاً بما أن الرياضة هي سيف ذو حدين ووسيلة بحد ذاتها ، لذلك فإن إساءة استخدامها سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى عواقب وخيمة ، وهذا ما نراه كثير في عالمنا هذا خاصة بعد هيمنة العولمة الثقافية والاقتصادية. ولكن في نهاية الأمر فإن تأثير العولمة على الرياضة الفلسطينية نسبي ، ويجب عدم التخوف منه كأنه وحش يترصد لنا لأن القضية الفلسطينية والرياضة الفلسطينية التي لم تزعزها كل المخططات الصهيونية سوف لا تخضع لضغوطات العولمة المعاصرة وسوف لا تتأثر بها.

المصادر المراجع



[1] Martin Polley, ‘Sport and national identity in contemporary England’ Adrian smith and Dilwyn Porter (eds), Sport and national identity in the post – war, (London, New York, 2004), p.15.

[2] Grant Harvie, Sport, Culture and Society, An Introduction (London: Routledg, 2006), p. 352.

[6]Rashid Khalidi, Palestinian Identity: The Construction of Modern National Consciousness (New York: Columbia University Press, 1997), p. 20.

[7] Rashid Khalidi, The Hundred Year’s War on Palestine (New York: Henry Holt and Company, 2020), p 30.

[8] Beshara Doumani, Rediscovering Palestine: The Merchants and Peasants of Jabal Nablus, 1700 – 1900 (Berkeley: University of California Press, 1995), p. 245. Quoted from Rashid Khalidi, Palestinian Identity: The Construction of Modern National Consciousness (New York: Columbia University Press, 1997), p.12.

[9] , Muhammad Musleh, The Origins of Palestinian Nationalism, (New York: Columbia University Press, 1988. p 163.

[10] Muhammad Musleh, The Origins of Palestinian Nationalism, 169 – 170.

[11] Muslih, Muhammad Y., The Origins of Palestinian Nationalism, 171.

[12] الموسوعة الفلسطينية ، المجلد الرابع، دمشق 1984، ص 425.

[14]عصام الخالدي ،  تاريخ الحركة الرياضية في فلسطيني منذ مطلع القرن العشرين وحتى عام النكبة. History of Palestine Sports: كتاب: تاريخ الحركة الرياضية في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين وحتى عام النكبة

[15] Ellen L. Fleischmann. The Nation and its “New” Women, the Palestinian Women’s Movement 1920 – 1948 (Berkeley: University of California Press, 2003) p. 109 – 110.

[16]عيسى السفري ، فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية ، مكتبة فلسطين الجديدة،  يافا ، 1937 الكتاب الأول، ص 184- 186.

[17] (الدفاع) 25 أيلول 1934 

   كان النادي الساليسي قد أحرز  الفوز الباهر في دورة كرة القدم التي نظمها مؤتمر الشباب ونال درع مؤتمر الشباب لعام 1933 – 1934. كان السبب الرئيسي وراء هذا الانفصال هو أن المحامي يعقوب الغصين رئيس مؤتمر الشباب العربي شارك برعاية مباراة في كرة القدم. وكان أن أحرزها فريق السالزيان ، لكن حين تقدم الفريق الفائز نحو منصة الاحتفال لتسلم الكأس أشار المسؤول عن الفريق إلى اللاعبين أن يتقدموا ويصافحوا القنصل الإيطالي أولا ثم يعقوب الغصين ، وما كان إلا أن رفض معظم الفريق هذا الطلب مما أدى إلى تشكيلهم فريق شباب العرب. أنظر: خالد عجاوي ، تاريخ الحركة الرياضية الفلسطينية في الشتاب ، الدار الوطنية الجديدة ، دمشق ، 2001.

[18] فلسطين وعضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) 1946 – 1998 History of Palestine Sports: فلسطين وعضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) 1946- 1998

[19] صحيفة (فلسطين) 20 أيار 1932.

[20] عصام الخالدي ، الأخبار الرياضية في صحيفة الدفاع ، حوليات القدس ، العدد التاسع ، صيف 2010. ص. 27 – 38.

[21] Rashid Khalidi, Palestinian Identity p. 180

[22]  غازي الصوراني ، قطاع غزة 1948 - 1993 دراسة تاريخية سياسية اجتماعية 15 نوفمبر 2011 http://www.ahewar.org/debat/files/284104.pdf

[23]  برقية من الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى الاتحاد الرياضي الفلسطيني  - لجنة كرة القدم في تاريخ 28 أيار 1965

[24]  غازي الصوراني ، قطاع غزة 1948 - 1993 دراسة تاريخية سياسية اجتماعية 15 نوفمبر 2011 http://www.ahewar.org/debat/files/284104.pdf

[25]  رسالة من الاتحاد الرياضي الفلسطيني إلى الفيفا في تاريخ 23 آب 1963

[27]  تماري، سليم، "الهوية وبناء الدولة في الكيان الفلسطيني." مجلة الدراسات الفلسطينية، ع 32 (1997): 3-9.

[28] UN, Report of the Special Rapporteur of the Commission on Human Rights, John Dugard, on the Situation of Human Rights in the Palestinian Territories Occupied by Israel Since 1967 (New York: UN Commission on Human Rights, 2006); Sara Roy, ‘The Palestinian-Israeli Conflict and Palestinian Socioeconomic Decline: A Place Denied,’ International Journal of Politics, Culture, and Society17 (3) (Spring 2004): 365–403.

[29] Mazen Masri, The PLO and the crises of representation, October 15 2010,http://muftah.org/the-plo-and-the-crisis-of-representation-by-mazen-masri/#.VsH_u8_SnIU

[31] Lucie Thibault, Globalization of Sport: An Inconvenient Truth, Journal of Sport Management, 2009, 23, 1-20.

[32] Wertheim, L.J. The Whole World is Watching. Sports Illustrated, 100 (24), 72 - 86.

    

No comments:

Post a Comment