Wednesday, May 21, 2025

هل ينوي الاتحاد الدولي لكرة القدم طرد أو معاقبة إسرائيل؟

 


 عصام الخالدي

   تدل كل المؤشرات أنه ليس في نية الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) طرد إسرائيل أو معاقبتها ، فحتي يومنا هذا لم تصدر الفيفا تقريراً بشأن المقترح الذي قدمه الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في أيار 2024 للفيفا في مؤتمرها الرابع والسبعين في بانكوك ، الذي دعا فيه إلى محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للحقوق الرياضية الفلسطينية وطردها من الفيفا بسبب ممارساتها التعسفية.

 

  وبعد عام ، وخلال مؤتمر الفيفا الخامس والسبعين الذي عُقد في باراغواي، في 15 مايو 2025، حثّت سوزان شلبي، نائبة رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم وعضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الآسيوي لكرة القدم قادة الفيفا على عدم الانتظار عاماً آخر، بل التحرك في أسرع وقت . وقد قالت: "دعونا لا نستمر في تمرير القضايا من لجنة لأخرى بينما تُمحى كرة القدم في فلسطين. كل ما نطلبه هو تحديث واضح حول وضع القضية وتاريخ محدد لانتهاء التحقيق."

 

وفي كلمتها أيضاً طلبت شلبي من الفيفا تحديد مهلة شهر واحد للجنة الحوكمة لتقديم تقريرها إلى المجلس الحاكم برئاسة رئيس الفيفا جياني إنفانتينو. وفي كلمتها المُعبّرة أيضاً قالت شلبي: "قضيتنا عالقة في عملية مُسيّسة للغاية... ظاهرة للعيان، لا يمكن إنكارها، ولكن للأسف يتم تجاهلها."

 

   وقد دوى تصفيق عفوي حار في جميع أنحاء الكونجرس عند اختتام كلمتها، وهي المرة الوحيدة التي صفق فيها المندوبون دون توجيه من رئيس الفيفا جياني إنفانتينو. وفيما بعد وعندما لم يَقبل أي عضو من المؤتمر بما في ذلك إسرائيل الدعوة للتحدث ، أشار الأمين العام للفيفا ماتياس جرافستروم إلى أن التحقيقان يحتاجان إلى مزيد من الوقت ، ويجب إطلاع الأعضاء الجدد المنتخبين في الخامس عشر من أيار على القضايا المتعلقة بهذا الشأن. وقال أن اللجان تعمل بجد لحسم موضوع بالغ التعقيد.
 

   من الصعب أن نستوعب كيف يُمكن أن يستغرق تحقيق لجنة الانضباط التابعة للفيفا في قضية التمييز  (التي تعتبرها الفيفا مزعومة) التي أثارها الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في شكواه أكثر من عام لكي تتم دراسته وإكماله والبث فيه. أيضا يصعب التصور كيف يمكن للجنة الحوكمة والتدقيق والامتثال التابعة للفيفا أن تقضي أكثر من عام في إجراء تحقيق حول فرق المستوطنات الإسرائيلية ("المزعومة" برأي الفيفا) في الضفة الغربية التي تشارك في الدوري الإسرائيلي.

 

    إن مماطلة الفيفا وتأخرها في التوصل إلى تحقيق شامل واتخاذ الإجراءات الصارمة بالإضافة إلى صمتها تجاه الإبادة الجماعية في غزة ما هو إلا تواطؤ في الإبادة الجماعية . وهذا ليس غريب على هذه المنظمة التي هي صورة مصغرة للغرب ومنظماته وإعلامه المنافق والمؤيد لحرب الإبادة.

 

  لم يُعاقب الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ستة فرق إسرائيلية في الدوري، التي مقرها المستوطنات الإسرائيلة في الضفة الغربية. وكما هو معلوم أن إسرائيل هي عضو في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، الذي ينص نظامه الأساسي على أنه "لا يجوز لأي اتحاد عضو، أو الدوريات والأندية التابعة له لعب أو تنظيم مباريات خارج أراضيه دون إذن الاتحاد العضو المعني."

 

  للأسف أنه لم يصدر عن الفيفا أي بيان يُدين قتل الرياضيين وتدمير البنية التحتية الرياضية في غزة منذ بدء الإبادة الجماعية. كل ما نراه هو نهجها "المحايد" تجاه "الحرب" بين إسرائيل وحماس . فالفيفا هذه المؤسسة التي تدعي بأنها تلتزم بقوانينها الداخلية وتحترمها ، يتنافى سلوكها اليوم مع هذه المبادىء من خلال صمتها وموقفها "المحايد" تجاه الإبادة الجماعية في قطاع غزة وممارسات إسرائيل ومستوطنيها في الضفة الغربية.

 

 من الواضح أن معظم اعضاء مجلس الفيفا بما في ذلك رئيسها إنفانتينو ونائبه غير مستعدين لاتخاذ إجراءات عادلة وجريئة بشأن الإبادة الجماعية في غزة ، ودمار البنية الرياضية التحتية ، وقتل الرياضيين والانتهاكات التي تمارسها إسرائيل ضد الرياضة الفلسطينية ، وهذا ليس غريبا فالفيفا المؤسسة الحاكمة لكرة القدم في العالم تسودها الأنانية والمصالح الشخصية والوصولية والانتهازية والمداهنة والفساد. 

 

   إن احدى أهداف الرياضة هو خدمة البشرية والانسانية مثل تعزيز الوحدة بين الشعوب وترسيخ مبدأ المساواة وحقوق الانسان وتحسين الصحة والنمو الشخصي وغيرها ، وفي حال توقف الرياضة عن تحقيق هذه الأهداف فهذا يعني أنها تعاني من خلل  يتمثل في انفصالها عن هدفها الأساسي الانساني ، والتركيز بدلاً من ذلك على التسويق والمنافسة والترفيه والمصالح الشخصية والفساد ، لذلك يتوجب على جميع المؤسسات الرياضية الحاكمة التي تدير أمور الرياضة التأكد من مصداقيتها وفحصها ومساءلتها بانتظام.

 

خلال جولة ترامب في الشرق الأوسط، انضم إنفانتينو إليه ، وكان من المقرر أن يجتمع المجلس (أعلى هيئة لصنع القرار في الفيفا) عبر الإنترنت بدلاً من الحضور الشخصي، عشية مؤتمر الفيفا في أسنسيون، باراغواي، بسبب زيارة إنفانتينو للشرق الأوسط.

 

وكما كتب سامينرا كونتي في مقال له في مجلة "إنسايد وورلد فيفا": "ستكون هذه هي المرة الثالثة على التوالي التي يجتمع فيها المجلس عبر الإنترنت. في عهد إنفانتينو، أصبح المجلس إلى حد كبير هيئةً شكليةً تُصادق على القرارات. يتقاضى أعضاؤه 250 ألف دولار سنويًا ، ونادرًا ما يُرفع صوتهم. ويتقاضى نواب رئيس المجلس، وهم أيضًا رؤساء اتحادات قارية راتبًا سنويًا قدره 300 ألف دولار."

 

    من المعروف أن إنفانتينو يملك علاقات وثيقة مع قطر والمملكة العربية السعودية. فقد استضافت قطر كأس العالم 2022 وكانت مقرًا لرئيس الفيفا، بينما ستستضيف المملكة العربية السعودية كأس العالم 2034. وقد توقع إنفانتينو أن تكون الدول الثلاث (بما فيها الإمارات العربية المتحدة) أكثر سخاءً تجاه ترامب. يعود ذلك إلى علاقاته الوثيقة مع قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد انتهى الأمر بترامب بمليارات الدولارات في جيبه بفضل دعم إنفانتينو له.

 

   بعد ذلك ، سافر إنفانتينو إلى باراغواي وتأخر ساعتين عن مؤتمر الفيفا. ونتيجةً لذلك ، انسحب الأعضاء الأوروبيون في مجلس الفيفا، الهيئة الحاكمة لكرة القدم في العالم، من المؤتمر. من جانبه اتهم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إنفانتينو بالسعي وراء "مصالح شخصي" على حساب مسؤوليته تجاه كرة القدم.

 

    على الصعيد الأخلاقي فقد أُثبتت الإبادة الجماعية في غزة عدة أمور، من أهمها أولاً: أن المعايير الأخلاقية ربما كانت موجودة منذ وقت طويل في الغرب، ولكن الالتزام بها لم يكن ذا أهمية ، أو ربما أنها ليس أكثر من مجرد وثائق مكتوبة في الدساتير واللوائح الداخلية والكتب المدرسية التي يتعلمها الطلاب في الجامعات . ثانياً: لقد عمقت هذه الأحداث الشك في المصداقية الأخلاقية للغرب الذي أظهر الكثير من النفاق واتبع سياسة ازدواجية المعايير تجاه غزة مقارنة مع الدعم والتعاطف المستمر مع اوكرانيا وغيرها. ثالثاً: اصبحت معاناة الشعب الفلسطيني في غزة والإبادة الجماعية التي يتعرض لها بوصلة لتحديد المكانة الأخلاقية للدول والمؤسسات حول العالم . رابعاً: أثبتت حرب الإبادة هذه أنه هناك أزمة في تطبيق القانون الدولي وفي القيم والمثل الانسانية والأخلاقية للمجتمع الدولي ككل.

No comments:

Post a Comment