Saturday, June 18, 2022

التعامل الفوقي للاتحاد الدولي لكرة القدم تجاه فلسطين ليس بجديد


عصام الخالدي

 

    بينما كنت اتفحص وأراجع بعض الوثائق التاريخية التي حصلت عليها من ارشيف الفيفا ، لفتت انتباهي احدى المراسلات بين خضر كمال رئيس النادي العربي في القدس (تأسس عام 1928) وسكرتير الاتحاد الدولي لكرة القدم الدكتور شرايكر Shreiker. وقبل البدء في سرد ما ورد بالمراسلات بينهما اريد التذكير ببعض المعلومات – والتي كثير منها موجود على هذه المدونة – بأنه في عام 1928 تأسس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم PFA ، ودخل في عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA في عام 1929 ، وكان يهيمن عليه الصهاينة هيمنة كاملة بعد نجاحهم في إبعاد العرب وتهميشهم عن الساحة الرياضية. هذا ما دعا العرب إلى تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني PSF في عام 1931 الذي ضم معظم الأندية العربية في فلسطين تحت مظلته ، إلا أن هذا الاتحاد (العربي) لم يتميز بتلك القوة والنفوذ مثل الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (الصهيوني) ، ولم يكن عضواً في الاتحاد الدولي لكرة القدم. وبسبب الظروف السياسية والوضع القائم في فلسطين توقف هذا الاتحاد عن النشاط بالكامل في نهاية الثلاثينيات حيث أدى ذلك إلى تقديم بعض الاندية العربية في بداية عام 1938 طلبات انتساب إلى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم والمشاركة في بطولاته ، غير أن معظم هذه الاندية اخذت بالانسحاب من هذا الاتحاد في بداية الأربعينات لتُعيد تشكيل الاتحاد الرياضي الفلسطيني - العربي - عام 1944. ومن المؤسف أنه في فترة الثلاثينات وقبل انضمام الأندية العربية إلى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لم يكن باستطاعة الفرق والأندية العربية في فلسطين التباري مع نظيراتها في الدول العربية الشقيقة لأنها (الأولى) لم تكن عضواً في الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. هذا ما أدى إلى إستيائها من هذه الحالة التي دعت خضر كمال رئيس النادي الرياضي العربي في القدس إلى توجيه رسالة مؤرخة في 18 تشرين الثاني 1937 إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم راجياً أن تلاقي هذه الرسالة اهتماماً منه:

 

  "فلسطين الآن ممثلة في الاتحاد الدولي لكرة القدم بفريق يهودي بالكامل [لم يضم الفريق الفلسطيني في تصفيات كأس العالم 1934 و 1938 أي لاعب عربي - الكاتب] على الرغم من أن اليهود لا يشكلون سوى أقل من ثلث إجمالي سكان البلاد بينما الأغلبية الساحقة من العرب. لكن بسبب الظروف الاستثنائية وغير العادية في هذا البلد ، فإن تشكيل فريق مشترك من العرب واليهود يكاد يكون مستحيلاً خاصة في ظل الظروف الحالية. استطاع اليهود تمثيل فلسطين في الاتحاد الدولي لكرة القدم لمجرد أنهم تقدموا بطلبهم قبلنا، مما ألحق الضرر بالعرب، ومنعهم [العرب] من اللعب ضد الفرق المعترف بها في دول الجوار ، وخاصة مصر ولبنان.

   نتمنى من خلال هذا الطلب أن يتم الاعتراف بالنادي العربي الرياضي من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم ككيان مستقل وكحالة خاصة بسبب الظروف السياسية الخاصة التي تعيشها الأغلبية في هذا البلد العربي [فلسطين]، ويبقى من غير المنطقي بشكل قاطع أن يكون الفريق الذي يمثل فلسطين يهودياً بالكامل.

   توافقون معنا على أن الاعتراف بالفريق اليهودي يضر برغبة العرب في الرياضة ، وفي تبادل الزيارات مع دول الجوار. وإذا لم يكن من الممكن الاعتراف بنادينا من قبل اتحادكم ، فإننا نطلب بصدق منح الإذن لفرق الدول المجاورة للعب مع فريقنا دون الحاجة إلى الحصول على إذن من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم."

 

     بعد ذلك قرر الدكتور شرايكر إبلاغ السيد ج. شالوتس J. Chalutz سكرتير الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بمحتوى رسالة خضر كمال ، وطلب من شالوتس أن يعطيه رأيه بهذا الشأن، حيث أشار له أن الشيء الوحيد الذي ممكن فعله هو أنه سيُعلِم الاتحادين اللبناني والمصري بأن النادي الرياضي العربي يحق له أن يتبارى مع فرقها بعد الحصول على إذن من اتحاده (الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم)، وأن هذه اللقاءات سوف تخضع أيضاً لإذن خاص من الاتحاد الدولي لكرة القدم.

 

   هذه هي الرسالة التي استوقفتي وأثارت اهتمامي بلهجتها التي تدل على عدم الاحترام والازدراء تجاه السيد خضر كمال التي كان يصرح بها سكرتير الاتحاد الدولي في رسالته إلى شولتز في الرابع من أيار 1938 ، والاحترام لشخص رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (الصهيوني) ، وحرص الفيفا على مصلحة هذا الاتحاد الأخير جاء فيها:


   "أنا سعيد أن أرى من خلال رسالتك أن بعض الفرق العربية قد انضمت لاتحادكم وكان من دواعي سروركم الموافقة على هذا الانضمام. لقد أرسلت لك نسخة من رسالة خضر كمال وستكون قد فهمت أنني لم أقدم أي توصية  recommendation على الإطلاق لهؤلاء السادة [أي انه لايعطي له ولغيره من العرب اعتباراً - الكاتب]. اعتقدُ بأن الطريقة الوحيدة الممكنة هي أن الأندية المصرية واللبنانية التي تريد اللعب ضد الفرق العربية [في فلسطين] التي لا تنتمي إلى اتحادكم ينبغي عليها أن تطلب منكم الإذن للعب مثل هذه المباريات. وإذا توافقون أن تُلعب هذه المباريات فإنه ينبغي على الفرق العربية التي تحضر إلى بلدكم  أن لا تلتقي مع الأندية العربية فقط ، بل مع بعض فرق اتحادكم. اعتقد بهذه الطريقة أن سلطتكم كاتحاد وطني يهيمن على كرة القدم في فلسطين محمية بأمان لأنه لا يمكن لعب أي مباراة ضد أي فريق اجنبي دون إذنكم."

 

  هذه حقيقة مرَّ عليها حوالي اربعة وثمانين عاماً ، بالطبع لم يدرِ السيد خضر كمال (الذي حاولتُ الاتصال بأقاربه في مدينة القدس للحصول على بعض الوثائق أو المعلومات عنه ولكن بدون جدوى)  بمحتوى هذه الرسالة التي بقيت في ارشيف (الفيفا) لعقود طويلة ولم يدرِ بها احد، فهذا الناشط الفلسطيني طرق باب الفيفا بحسن النية محترما رئيسها ولجنتها وقوانينها ، ولم يكن يعلم بتفاصيل المراسلات بين الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (الصهيوني) ، كل ما كان ينوي فعله هو شرح بعض الحقائق عن الوضع الرياضي في فلسطين وطلب المساعدة ، منطلقاً من مبدأ خدمة الوطن . وليس عجيباً أن نرى مواقفاً مثل هذه من منظمات أوروبية ودولية كرست وجود الاستعمار ، وساعدت أيضاً في تمهيد الطريق لبناء الوطن القومي اليهودي. والسؤال الذي يخطر على البال هنا لماذا لم يُحظ العرب باحترام الفيفا منذ الثلاثينات وحتى يومنا هذا؟ هل لأنهم كانوا وما زالوا غيورين على مصلحة بلدهم ، يدافعون عن قضاياها العادلة ، ويستاؤون من الهيمنة الصهيونية على الحركة الرياضية؟

 

   لقد كانت هناك دائما لغة عنصرية وتعامل فوقي من قبل الغرب "المتحضر" تجاه الشرق "المتخلف" ، هذا الشرق الذي لا يستحق الاحترام بل الازدراء والذي هناك مبررات للتحكم بمصيره واقتياده كقطيع اغنام. هذه هي الثقافة والأنماط الفكرية تجاه الشرق بشكل عام ومنطقتنا العربية بشكل خاص التي كانت وما زالت للأسف سائدة في الغرب ومؤسساته مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وغيرها، والتي نراها تتمثل اليوم بسياسة النفاق وازدواجية المعايير ومبدأ عدم خلط الرياضة بالسياسة.


    

 

 

 

       

No comments:

Post a Comment