Tuesday, November 4, 2014

المنتدى الأدبي (السيركل سبورتيف) في يافا .... من أوائل الأندية الاجتماعية الرياضية في فلسطين


  عصام الخالدي 
 
       من المعروف أن فلسطين شهدت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر توسعا في عمل البعثات التبشيرية التي تمثلت في جمعياتها ومدارسها ومستشفياتها ومطابعها ، وهي على الرغم من أنها لعبت دورا في حرث التربة أمام الاستعمار إلا أنه كان لها أيضا دورا هاما في التعليم والثقافة والحداثة والوعي الاجتماعي  ، وكانت بمثابة جسرا ساعدت في انفتاح فلسطين على العالم الغربي.  وكان تأسيس الأندية الاجتماعية في بداية القرن العشرين شكلاً من اشكال هذه الحداثة التي بدأت تلقي بظلالها على المنطقة ، تمثلت احدى مظاهرها في مأسسة الفئات الاجتماعية التي كان اعضاؤها يتشاركون في أمور عدة  مثل الطائفة والمكان والوضع الاجتماعي .
     في  أكتوبر 1911 قام فريق من الشبان في يافا بتأسيس نادٍ جديد للرياضة ، وكانوا قد  عرضوا برامجه وقوانينه فيما بعد وطلبوا ممن يريد المساعدة في دعم هذا النادي أن يعلم بذلك أحد أعضائهم، وقد سمي فيما بعد (المنتدى الرياضي). ويعتبر هذا النادي أول نادٍ رياضي ثقافي اجتماعي في فلسطين. وفي الثلاثينيات تحول اسم هذا المنتدى إلى النادي الرياضي في يافا أو (السيركل سبورتيف) ، فبعد بدء الانتداب في فلسطين أصبح الجهاز العسكري يهيمن على هذا النادي الذي كان نشيطاً في مجال لعبة التنس حيث بدأ بإقامة منافسات في هذا النوع من الرياضة منذ بداية العشرينيات بمشاركة الجنود والضباط البريطانيين. عمل هذا النادي حتى عام 1948 وانحل مع خروج الانجليز من فلسطين ، ومع تسليم مفاتيحها إلى الخصم الصهيوني.
   تأسس هذا النادي من قبل العرب وبعض الوجوه الأجنبية العاملة في هذه المدينة. وكان هدفه إحياء الألعاب الرياضية التي كان أعضاء هذا النادي يرى أن من شأنها تقوية العضلات وإنماء الجسم وإكسابه عافية ونشاطاً. وكان القانون الداخلي يتضمن بأن لا يُقبل في عضويته غير من حسنت أخلاقه وسمت مبادئه وشهد له الناس بعلو الآداب. ودعا أحد قوانين هذا النادي إلى أن لا يتباحث الأعضاء فيه بالأمور السياسية والدينية. وكما ذكرت صحيفة (فلسطين) "انتخب رئيساً له حضرة الشاب الأديب المحامي فرنسيس أفندي خياط ونائبين للرئيس الأفندية أنطون جلاد والفونس روك وأميناً للصندوق الفونس أفندي الونصو وسكرتيراً فؤاد أفندي كساب وأعضاء إلياس أفندي سالم برتقش وزكي أفندي روك ."[1]
 قامت مجموعة من الأعضاء بتوجيه النقد لهذا النادي عبر صحيفة (فلسطين) بتوقيع (مشترك) حول سلوك الأعضاء الأجانب في النادي كما واتهمت هذه المجموعة الأعضاء العرب بممارسة ألعاب القمار فيه.[2]  وقد جاء هذا الاتهام من خلال رسالة من مجموعة من القراء إلى صحيفة (فلسطين)"سيدي مدير جريدة  (فلسطين) ، المنتدى الرياضي ، ولا عجب إذا أنت استغربت الاسم لأنك لم تألفه فيما مضى ولم تسمع به قبل اليوم ، هو كناية عن جمعية أسست في يافا حديثا لإحياء الألعاب الرياضية  التي من شأنها تقوية العضلات وإنماء الأجسام وإكسابها عافية ونشاطا. فحبذا هذا المشروع ونعم المنتدى الرياضي . الحَّ علي بعض الأصدقاء من أعضاء هذا المنتدى بالاشتراك فيه معهم بعد أن بينوا لي منافعه الجمة وشرحوا لي مطولاً عن فائدة الرياضة وحسن تأثيرها على الأجسام ولا سيما أجسام من كانوا مثلي من المستخدمين الذين يصرفون نهارهم وراء مكاتبهم ، ولما كانوا من الأصدقاء الأخلاء قلت لهم "على الرأس والعين". اشتركت بهذا المنتدى ودفعت قيمة الاشتراك عداً ونقداً وكتب علي أن أكون من اللاعبين وصرت اقفز مثلهم وامرح وأدير في يدي شيئاً يسمونه "راكيت" لدفع الطابة وهو أشبه شيء بما استعمله في البيوت.... من أهم قوانين هذا النادي أن لا يقبل في عضويته غير من حسنت أخلاقه وسمت مبادؤه وشهد له الناس بعلو الآداب. وهذا شيء جميل لا أظنك تعترض عليه. ومن تلك القوانين أن لا يتباحث الأعضاء فيه بالأمور السياسية والدينية لأنها من الأمور العقيمة ولو غضبت يا سيدي بصفتك صحافياً تحب الخوض في السياسة. وهذا أيضاً جميل جداً. ولكن الأمور التي رأيتها غير جميلة في هذا النادي كثيرة.... أولاً: السماح فيه بتناول المشروبات الروحية ولعب القمار" كالبوكر والبكرة" مع أن كل أعضائه من الشبان المشهود لهم بحسن الأخلاق والآداب. ثانياً: استبداد نفر من أعضائه الأوروبيين في جميع أموره مع أنهم أقلية صغرى فأصبح لا أمر إلا ما يأمرون ولا إرادة فوق إرادتهم وقبول الأكثرية وهم أبناء البلد بذلك الجيف ورضوخهم له متجاهلين قدر نفوسهم. ثالثاً:  ما يستعمله بعض أعضائه من الأوروبيين إذا أراد مداعبة غيرهم أو أهانته بقبولهم له (سال أراب) أي عربي قذر."
   بالطبع لقد أدت هذه الرسالة إلى حدوث ضجة كبيرة مما اضطر صحيفة (فلسطين) أن تنشر في احد اعدادها في 13 آذار 1913 (أي بعد حوالي شهر) الرد التالي "كان للمقالة التي نشرناها تحت هذا العنوان في العدد الماضي بتوقيع (مشترك) ضجة كبيرة في البلدة . وما كاد يظهر ذلك العدد حتى جاء إدارة هذه الجريدة عدد كبير من أعضاء المنتدى الرياضي للاحتجاج على ما جاء فيها. ونحن وإن كنا قد نشرنا هذه الرسالة على عهدة كاتبها، إلا أنه يسرنا جداً ما علمناه من أن أكثر الذي ورد فيها مبالغ فيه ولا سيما ما جاء عن احتقار الأوروبيين لأبناء البلد بقولهم لهم (سال أراب) أي عربي قذر إذ تحققنا أن هذه العبارة لم يتفوه بها أحد في النادي نفسه ولا يتجاسر أن يتفوه بها أحد لأنها احتقار ليس بعده احتقار لا يقبل بها أي شخص كان فكيف بنخبة شباننا الموجودين فيه. أما ما ورد عن لعب القمار فالذي علمناه أيضا أن ذلك ممنوع قطعيا في قوانين النادي ولكن لما كانت الأمطار في بعض الأوقات تحول دون الألعاب الرياضية فقد كان بعضهم يلعبون بالورق ألعابا لا تتعدى الألعاب العائلية ومع ذلك فقد حظرت عمدة النادي المذكور تلك الألعاب خشية مما عسى أن تجر وراءها. هذا ولما كانت أهم نقطة احتج عليها الأعضاء وهي نقطة (سال أراب) أي عربي قذر رأينا في احتجاجهم عليها مظهراً لشعور جنسي راقٍ حبذا لو شعر به كل عربي بإزاء الأجانب الموجودين بين ظهرانينا."
     أقام المنتدى الرياضي حفلته السنوية في أيار 1913 وهي أول حفلة يقوم بها بعد تأسيسه. وقد أوردت صحيفة فلسطين هذا الخبر : "وما زفت الساعة الثالثة بعد ظهر ذلك النهار حتى كان المنتدى غاصاً بالحاضرين والحاضرات من علية القوم فافتتحت الحفلة على أصوات الموسيقى ثم ابتدأت الألعاب المسابقات على ما ذكر في بروغرام الحفلة. وقد كانت أول هذه المسابقات سباق الأكياس فوضع اللاعبون الأكياس في أرجلهم واخذوا في الركض ففاز فيه الخواجا إلياس البرتقش كما فاز في سباق أقداح الماء الذي تلاه فكان يقابل من الحضور بالتصفيق والهتاف. ثم جرت المسابقة في لعب التنس بين الخواجات يوسف هال وجان فلبير وبعد دورتين فاز الخواجا هال على مناظره فقوبل ذلك بتصفيق الاستحسان. وعقب ذلك سباق السيكار وكيفيته أن يصطف عدد من اللاعبين على بعدٍ من مقعد طويل وضع عليه على مسافات متقاربة عدد من السيكار وبالقرب من كل واحدة منها علبة من الكبريت فبعد أن تعطى العلامة يتراكض الجميع فمن اخذ سيكارة وأشعله في أثناء الطريق ووصل به مشعلاً قبل غيره ...... ثم جرى سباق التحازير فنال جائزته الخواجة الفرد روك أيضا. وبعد ذلك جرى سباق بين حيوانات مختلفة منها الغزالة والأرنب والكلب والعرسة والسعدان والفأر......وفي الساعة السادسة والنصف جرى سباق الركض 1800 متر تقريباً فاشترك فيه سبع من أعضاء المنتدى أقلتهم العربات حتى أول الشارع الجديد الذي فتح مؤخراً وراء بيارة الأقباط [في يافا] وهناك أمام بيارة العيسى أعطيت لهم العلامة فانطلقوا في ركضهم فقطعوا ذلك الشارع ومروا من أمام جميزات المساكين على طريق القدس وساروا في شارع زقاق البطمة حتى آخره حيث المنتدى."[3]



[1] صحيفة (فلسطين) 11 شباط 1913
[2] صحيفة (فلسطين) 23 شباط 1913.
[3]صحيفة (فلسطين) 21 أيار 1913.


1 comment:

  1. This comment has been removed by a blog administrator.

    ReplyDelete