Tuesday, November 19, 2013

سلسلة الملاكمة في فلسطين: سنحاريب صليبا ..... صاحب القبضة الفولاذية


            
 عصام الخالدي

   لا يسع أي باحث في مجال تاريخ الرياضة الفلسطينية على مدار المائة عام الاخيرة إلا أن يخصص جزء عن الملاكمة في فلسطين منذ عشرينيات القرن الماضي حتى عام 1948 ،[i] ليس لأنها كانت جزء من التقاليد والثقافة الرياضية قبل النكبة فحسب ، بل لأنها استطاعت أن تبلغ مستوى عربيا وعالميا أيضا. ومن المعروف أنه في الوقت الذي شهدت به كرة القدم تراجعا في نهاية الثلاثينيات بسبب ما آلت إليه ثورة 1936 واندثار الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي تأسس عام 1931 ، استطاعت الملاكمة أن تحافظ نسبيا على وتيرة تقدمها الذي ساعد بدوره بالحفاظ على الرياضة بشكل عام في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينات. وكان هذا مترافقا مع ظهور العديد من الملاكمين البارعين مثل سنحاريب صليبا ، [ii] أديب الدسوقي ، واكيم نوفي ، ماردو بوكرشيان ، نوبار وغيرهم. يقول خير الدين أبو الجبين واصفا ما وصلت إليه الملاكمة قبل النكبة "رغم أن لكرة القدم شعبية كبيرة، إلا أن الملاكمة في فلسطين وصلت إلى القمة خلال مدة طويلة فاقت شعبيتها كل الألعاب الرياضية الأخرى، وتأتي بعدها كرة السلة ثم ألعاب الساحة والميدان ..... وتأتي المصارعة بعد هذه الألعاب."[iii]

    ولد سنحاريب صليبا مدينة بيت لحم في عام 1919 اسمه الحقيقي عزيز عبد الله ، بدأ تدريبه في عام 1932على يد الملاكم الشهير في ذلك الوقت أديب بك كمال (أو أديب تركي كما كان يأتي في الصحف الفلسطينية وهو من اصل تركي) في مدينة حيفا ، ففي لقاء له مع الكاتب والناشط الرياضي الفلسطيني في لبنان وصاحب كتاب "الحركة الرياضية الفلسطينية في الشتات" خالد عجاوي ، يقول سنحاريب صليبا "كنت كثير الترحال والتجوال وخاصة بين لبنان وفلسطين وفي عام 1935 قصدت مصر لألتقي ببطلها المدعو عبده كبريت الملقب بصخرة مصر السوداء ، ومن مصر سافرت إلى اليونان في العام نفسه لإجراء مباريات هناك .. إلا أنني لم آخذ مستواي بالملاكمة هناك ، فرجعت إلى فلسطين حيث كانت هي الملاذ الوحيد لأبطال الملاكمة على المستوى العربي والدولي. وفي العام نفسه التحقت بالشرطة وعملت فيها مدربا للملاكمة ، وتعلمت اللغة الانجليزية وعملت بعدها مترجما خلال ثورة 1936 ، إلى جانب التدريب وفي العام 1936 ذهبت إلى بيروت والتقيت فيها البطل اللبناني مصطفى الأرناؤوط وتغلبت عليه ،[iv] ومن بيروت سافرت إلى إيطاليا مع شاب لبناني اسمه طوني ملوك ، وعندما وصلنا إلى ميلانو نظمت لنا الحفلات واللقاءات الرياضية التي كان أبرزها تلك التي أقيمت تحت رعاية (الدوتشي موسيليني) مع البطل الطلياني (برناتي) ، وتغلبت عليه بالجولة السابعة بالضربة القاضية ، وقد خسرت مباراة واحدة من سلسلة المباريات التي نظمت خلال وجودي بايطاليا، وكانت خسارتي بالنقاط . وانتقلت من إيطاليا إلى باريس مع زميلي طوني ملوك ، ولعبت هناك وخسرت المباراة الأولى بالنقاط. إلا أن الجمهور لم يكن ليرضى بالنتيجة وثارت ثائرته وشتموا الحكم. وبنتيجة ذلك تعاقد أحدد الأشخاص معي على إجراء ثماني مباريات في فرنسا وكانت إحداها مع البطل الفرنسي (جانسيل) الذي تغلبت عليه بالضربة القاضية في الجولة الثانية، وخلال وجودي في فرنسا وصلتني دعوة من تشيكوسلوفاكيا فلبيت الدعوة ، وهناك لعبت مباراة واحدة مع أحد أبطالها الذي تغلبت عليه بالضربة القاضية ومن هناك رجعت إلى باريس، ويتابع سنحاريب القول: في العام 1939 عدت إلى لبنان ولم أتمكن من العودة إلى باريس بسبب الحرب العالمية الثانية حيث أقفلت الحدود فعدت إلى فلسطين ومنها أرسلت إلى إحدى الجزر على حدود تركيا – سوريا للعمل كمترجم هناك، وأحسست خلال تلك المرحلة بشغف كبير إلى الحلبة فعدت إلى حلب لألتقي مع البطل السوري محمد خير الملقب "أسد الشرق" وتغلبت عليه في الجولة السادسة. وفي بيروت نظم الإخوة خليل وإبراهيم محجوب في "غراند ياتر" مباراة الثأر مع البطل السوري محمد خير ، وتغلبت عليه في الجولة 14 بالقاضية للمرة الثانية. لم أتمكن من البقاء في لبنان لأعود إلى فلسطين الوطن الأم !.. ثم كان التهجير من فلسطين لأستقر في لبنان التي لعبت فيها عدة مباريات مع أبطالها ومنها مباراة مع البطل اللبناني هرانت غازريان عام 1950 في بيروت." [v]

      كانت هناك لقاءات عديدة بين سنحاريب صليبا وأديب الدسوقي وماردو بوكرشيان (الذي تغلب أيضا على البطل المصري عبده كبريت في تموز 1943) ونوبار كيريل الأرمني حتى نهاية عام 1947.[vi]  في إحدى المقالات الإخبارية في صحيفة (فلسطين) ورد خبر عن لقاء الدسوقي مع سنحاريب: "انتهت المباريات الأولى جميعها ثم كانت فترة قصيرة عزفت في أثنائها موسيقي النادي العربي واعتلى بعد ذلك السيد سنحاريب صليبا حلقة الملاكمة بين عاصفة من التصفيق وتبعه السيد أديب الدسوقي بين موجة من الهتافات ثم اخذ الحكام الإنجليز مراكزهم ". وقد انتهت هذه المباراة بتفوق الدسوقي بإحرازه 172 مقابل 169.5 علامة لسنحاريب وكان هذا الحفل قد نظم من قبل جمعية العمال العربية التي استضافت فيه قنصل مصر في فلسطين .[vii]



 [i] أنظر: الملاكمة في فلسطين من العشرينيات وحتى عام 1948. www.palestinesports.net
[ii]  اسم أكادي معناه "إله القمر زاد عدد الأخوة". وهو ملك أشور (704-682 ق.م).
 خالد عجاوي ، (الحركة الرياضية الفلسطينية في الشتات)، الدار الوطنية الجديدة ، دمشق ، 2001 ،  ص. 29.[iii]
[iv] أيضا في أيلول 1937 تبارى الدسوقي مع بطل سوريا ولبنان مصطفى الأرناؤوط على مسرح مدرسة الفرير في مباراة حضرها رئيس بلدية يافا.
 خالد عجاوي ، مصدر سابق ، ص 20-21.[v]
[vi] صحيفة (الدفاع) 22 شباط 1942. في شباط 1942 جرت على مسرح سينما أديسون في القدس حفلة ملاكمة بين البطل الفلسطيني أديب الدسوقي وبطل الشرق الأدنى ماردوس بوكرشيان حضرها جمهور غفير لما للبطلين المتلاكمين من الشهرة والمكانة ، وكان اللعب حماسياً وأسفر في النهاية عن فوز السيد أديب في الجولة الخامسة عشرة على غريمه ووزنه 99 كيلوغراماً مع أن وزن السيد أديب 77 كيلوغراماً. وكان ماردوس يعتبر من أبطال الملاكمة المعروفين في الشرق وقد تغلب في السابق على الملاكم سنحاريب صليبا الذي تغلب على بطل مصر عبده كبريت وعلى شادي بطل النمسا وبذلك يكون السيد الدسوقي قد فاز ببطولة عالية."
[vii] صحيفة (فلسطين) 1 أيلول 1946
    

No comments:

Post a Comment