Monday, August 26, 2013

فلسطين والألعاب الأولمبية .... رحلة شاقة من أجل إثبات الهوية الوطنية




عصام الخالدي

     ليس هناك أي نجاح كانت فلسطين قد حققته على الصعيد الرياضي في الآونة الأخيرة سواء الانضمام إلى اللجنة الأولمبية الدولية عام 1995 أو إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في عام 1998 وغيرها إلا وكان نتاجا لنضال دؤوب لشعبنا عبر سنوات طويلة، فقصة فلسطين مع الاتحاد الدولي (FIFA) ومع اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) هي ليست جديدة وجذورها تعود إلى ما قبل النكبة عندما كان في فلسطين اتحاد عظيم هو الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي كان يضم تحت لوائه خمسة وخمسين ناديا في الوقت الذي بلغ به عدد الأندية في فلسطين حوالي السبعين.

1933- 1948
    في عام  1924 شكل اليهود ما يسمى بمنظمة كرة القدم للأندية من أجل ضم كافة الأندية الصهيونية وتنظيم عملها، ومنذ عام 1925 سعى بعض قادة منظمة (المكابي) أن يضموا منظمتهم إلى الاتحاد الدولي للرياضيين الهواة.[1] ولكن مساعيهم باءت بالفشل لأن (المكابي) لم تكن تمثل العرب والانجليز واليهود في فلسطين بشكل متساو. بالتالي فإن هذه المحاولة الفاشلة لم تثن من عزيمة )جوزيف ياكوتيلي) القيادي البارز في المكابي، فمنذ بداية عام 1925 حاول (ياكوتيلي) أن يكسب عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم، وكانت الوسيلة الوحيدة للوصول إلى هذا الهدف هي تأسيس ما سمي في ذلك الوقت (اتحاد فلسطين لكرة القدم) في صيف 1928 من قبل اليهود والعرب والإنجليز.[2] ومن الجدير بالذكر أن تعاون اليهود مع العرب لم يأت من دافع الود ، بل كل ما كانوا يسعون إليه  هو تلبية مطلب الاتحاد الدولي في أن يضم هذه الاتحاد أعضاء من العرب. في حزيران 1929 قبل هذا الاتحاد في الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) ، وكان انضمامه هذا إلى الاتحاد الدولي بمثابة فرصة ثمينة من اجل إبراز الهوية اليهودية وتمثيل فلسطين على الصعيد الدولي بالتعاون والدعم البريطاني في عامي 1934 و 1938. وما أن أصبح هذا الاتحاد عضواً في الاتحاد الدولي حتى بدأت مرحلة تهميش العرب من الساحة الرياضية من خلال تفرد اليهود فيها ، فاليهود لم يلتزموا بالقوانين الداخلية، ومن خلال تعاونهم مع البريطانيين حاولوا الهيمنة على هذه الجمعية وإعطائها الطابع اليهودي سواء بجعل أنفسهم غالبية فيها أو بإدخال اللغة العبرية والعلم العبري في شعارات هذه الجمعية.[3] هذا ما أدى إلى انسحاب العرب من هذا الاتحاد وتأسيسهم الاتحاد الرياضي الفلسطيني في عام 1931. وقد استمر هذا الاتحاد حتى نهاية الثلاثينات ثم اعيد تأسيسه في أيلول عام 1944.
    إن ما حدث مع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في المراوغة والتلاعب من أجل تمثيل فلسطين على الساحة الدولية حدث تماما وبنفس الطريقة في انضمام فلسطين إلى اللجنة الأولمبية ، فقد قام يوسف ياكوتيلي – الذي تم ذكره - في منظمة المكابي بإرسال طلب العضوية إلى اللجنة الاولمبية الدولية ولكنه تلقى رسالة من اللورد ابيردير البريطاني بشأن الموافقة على طلب اللجنة الأولمبية الفلسطينية بتاريخ 25 أب 1933 قال فيها:

"اخبركم بأنه من المستحيل أن تعترف اللجنة الأولمبية الدولية باللجنة الأولمبية الفلسطينية بتشكيلتها الحالية ، لأنها تمثل فقط منظمة المكابي ، ولا تمثل كل الطوائف..... يبدو لي أنهم إذا قامو بتلبية اقتراحنا وقاموا بتوسيع  لجنتهم لكي تضم يهودا [آخرين] ومسلمين ومسيحيين ، لا شي يمنعهم من تشكيل لجنة كأي قطر مستقل ، فمسألة الاستقلال غير مطروحة في نظام اللجنة الأولمبية الدولية."

    وبعد شهر أرسل الكونت دوبابيه لانور رسالة مؤرخة في 26 أيلول 1933 يقول فيها : إن اللجنة التنفيذية للجنة الأولمبية الدولية قد اطلعت على طلب الاعتراف المقدم من اللجنة الأولمبية الفلسطينية ، وأضاف بأنه يتمنى على هذه اللجنة أن تتوسع لكي تصبح ممثلة بشكل مناسب لكل فلسطين الحديثة وتضمنت الرسالة رفضا ضمنيا لمشاركة اللجنة الأولمبية الفلسطينية في الدورة التي سيتم تنظيمها في برلين عام 1937 [بسبب ممارسات النازية ضد اليهود].[4] 
    من هنا قررت قيادة المكابي دعوة أعضاء عرب (كما حدث في عام 1928 عندما ارادت الانضمام إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم) من أجل المشاركة الشكلية. وللأسف أن هؤلاء الأعضاء العرب الممثلين عن المسلمين والمسيحيين لم يعوا أسباب ودوافع هذه المشاركة فقد كانت الغاية فقط تلبية مطالب اللجنة الأولمبية الدولية ، ومن ثم إبعاد هؤلاء الأعضاء العرب عن هذه اللجنة. في 5 آذار 1934 بعثت اللجنة الأولمبية الفلسطينية رسالة إلى اللجنة الأولمبية الدولية تضمنت تشكيلها الجديد والتي ضمت عددا جديدا من مسلمين ومسيحيين ويهود ، وقد تم تسمية السيد علي المستقيم عن المسلمين [لم يذكر اسم ممثل عن المسيحيين] وكان يشغل منصب رئيس بلدية حيفا آنذاك. وقد اقترح ياكوتيلي على علي المستقيم أن يكون نائبه حيث وافق الأخير على ذلك. وفي 17 آذار 1934 أرسل المستقيم برقية إلى ياكوتيلي يعرب فيها عن سعادته لقبول منصب نائب الرئيس وأنه ليسعده مقابلة بقية اعضاء اللجنة. وبهذا أرسل رئيس اللجنة الأولمبية الدولية رسالة إلى اللفتاننت كيش رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية في 19 أيار 1934 يخبره فيها اعتراف اللجنة الأولمبية الدولية باللجنة الأولمبية الفلسطينية وذلك اثناء اجتماعها في أثينا يوم 16 أيار 1934. وعلى أثر ذلك أرسلت اللجنة الأولمبية الفلسطينية في الخامس والعشرين من ذلك الشهر رسالة تبعتها رسالة أخرى في الثامن والعشرين إلى اللجنة الأولمبية الدولية مرفقة بنسخة من مقال نشر في (بالستين بوست) وقد ذكر في هذا المقال أن اللجنة الأولمبية الفلسطينية اجتمعت بكامل اعضائها ومنهم علي بك المستقيم.[5] موحيا للجنة الأولمبية الدولية أن كل الأمور تسير على قدم وساق.
     للأسف ليس من المعروف إذا تم دعوة الأعضاء العرب فيما بعد لحضور الاجتماعات اللاحقة للجنة الأولمبية الفلسطينية ، ولكن ومن المؤكد أن هذه الخطوة كانت فقط من أجل تلبية مطالب اللجنة الأولمبية الدولية ليس أكثر ، وليس حبا بالعرب أو حبا في التعاون معهم. ومن المعروف أن اللجنة الأولمبية الفلسطينية لم يكن لها فاعلية بسب عدم المشاركة في الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936 وامتناع اليهود عن المشاركة (بسبب المواقف التي أبداها هتلر وشعبه تجاههم)، وأيضا بسبب إلغاء الألعاب الأولمبية في عامي 1940 و 1944.

      لقد كانت هناك مهمة رئيسية أمام القيادات الرياضية الصهيونية منذ منتصف العشرينيات وهي أنه من خلال المنظمات والاتحادات الرياضية الدولية كان باستطاعتها أن تصل إلى الاتحادات الدولية مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) واللجنة الأولمبية الدولية وغيرها كممثلة لفلسطين مهمشة العرب ومخفية اسمهم وتاريخهم ونشاطاتهم الثقافية بما فيها الرياضية ، فتمثيل اليهود لفلسطين دوليا في ذلك الوقت يعني وضعها في قالب يهودي يهيئهم للمستقبل ويوحي للعالم بأن فلسطين جاهزة لتحصل فقط على بطاقة رسمية أخيرة لتتحول إلى دولة إسرائيل ، فكل شيء قام على الخداع والتضليل حتى في المجال الرياضي الذي اتخذ كغطاء ووسيلة من أجل تحقيق الأهداف المرحلية للوصول إلى هدف إقامة الوطن القومي اليهودي.
    عندما نتفحص اليوم المواقع الالكترونية الإسرائيلية ونقرأ المصادر الإسرائيلية بما فيها أعمال المؤرخين الإسرائيليين في مجال الرياضة نرى التبجح بأن "إسرائيل" دخلت عضواً في اللجنة الأولمبية الدولية عام 1934 غير ذاكرة اسم الفلسطينيين أو حتى العرب بل (فلسطين الانتداب البريطاني) British Mandate Palestine))، وهذا ليس عجيبا في الوقت الذي تسعى به الصهيونية ليس فقط إلى تشويه تاريخنا بل ومحوه وإخفائه وجعل فلسطين وكأنها تماما كانت (حسب المقولة الصهيونية) أرض بدون شعب لشعب بدون أرض. وكما تذكر هذه المواقع أيضا أن هذه اللجنة الأولمبية كانت تدار من قبل منظمة المكابي الرياضية وكانت تشرف على الرياضة في القطاع اليهودي فقط ، الذي كان يشكل الأقلية في ذلك الوقت.  أيضا وكما هو ملاحظ للأسف فأن بعض المواقع الالكترونية العربية التي ليس لديها تصوراً واضحا عن مجريات الأحداث على الساحة الرياضية قبل عام 1948 وطبيعة الصراع الذي كان قائما بين العرب واليهود فيها ،  تطرح مسألة تمثيل فلسطين في الاتحاد الدولي لكرة القدم وفي اللجنة الأولمبية الدولية وكأن فلسطين كانت بمعزل عن محاولات اليهود في السيطرة على الحركة الرياضية ، فكما أشير سابقا فإن الذين أسسوا اللجنة الأولمبية الفلسطينية وسعوا لانضمامها إلى اللجنة الأولمبية الدولية هم اليهود الذي كانوا يسعون إلى الوصول إلى هذه الاتحادات الدولية من أجل أهداف سياسية محضة.[6]

   وحول تمثيل فلسطين في المحافل الرياضية الدولية فقد قامت أيضا منظمة الهابوعيل (التي تأسست عام 1926 وكانت تابعة وما زالت لنقابة العمال الإسرائيلية- الهستدروت) بتمثيل فلسطين مرتين في الأولمبياد العمالي في أوروبا في عامي 1931 و 1937 وأقامت مهرجانها الرابع في عام 1935 الذي كان يشبه المكابياد وقد اشترك به عشرة آلاف شخص جاب به المشاركون شوارع تل أبيب رافعين الأعلام الصهيونية وهاتفين بالوطن الموعود . [7]
   
  في أيار عام 1932 أقيمت الألعاب الأولمبية السورية وقد تم اختيار فريق ليمثل فلسطين في هذه الألعاب حيث كان مكون من 12 ممثلا من المكابي ، 6 من البوليس البريطاني ، 6 من جمعية الشبان المسيحية YMCA في القدس ، 3 من الهابوعيل ، وواحد من الفريق الأرمني.[8] وفي عام 1935 وجهت الدعوة إلى فلسطين من أجل المشاركة في الألعاب الأولمبية لبلاد حوض البحر الأبيض المتوسط ، ولكن للأسف لم يكن للعرب علم بهذه الدعوة التي سلمت إلى الجانب اليهودي وكأنه ممثل لفلسطين، معتمدة على تفوقه في المجال الرياضي وعلى علاقته الوثيقة مع سلطات الانتداب.[9] وهذا ما أثار غضب الجانب العربي ودعا أحد قراء صحيفة (الدفاع) إلى الرد على مشاركة اليهود في هذا المهرجان فتحت عنوان (فلسطين والألعاب الاولمبية اليونانية ) جاء في هذا الخبر "يقام في أثينا عاصمة بلاد اليونان من 28 إلى 30 الجاري حفلات الألعاب الأولمبية الرياضية لبلاد البحر المتوسط وقد جاءت الأخبار بأن "فلسطين" ستشترك في هذه الألعاب وسيشارك مندوبون عنها في أنواع الألعاب الرياضية المختلفة . وقد علمنا أن 12 شخصاً يهوديا هم الذين سيذهبون للاشتراك في هذه الألعاب مدعين تمثيل فلسطين. ولا يبعد غدا أن تصلنا الأخبار بأن هؤلاء الشبان قد رفعوا العلم الصهيوني مدعيين أيضا أنه العلم الفلسطيني ؟ فمن المسئوول عن إيصال هذه المعلومات المضبوطة عن هوية هؤلاء الأشخاص إلى الحكومة اليونانية؟".[10]

      وحول الألعاب الأولمبية التي كان مزمع إقامتها في لندن في عام 1948 ظهر هذا المقال في صحيفة بالستين بوست ذات الميول الصهيونية (باللغة الانجليزية)  في 22 شباط  1946 " منذ أن تم الإعلان عن إقامة الألعاب الأولمبية في لندن فقد استلمت هذه الصحيفة الكثير من الرسائل من القراء وقد جاء في معظمها: هل على فلسطين أن تساهم في هذه الألعاب؟ للأسف أن أغلبية الرسائل تطرح السؤال التالي: ما هي نسبة النجاح في الحصول على ميدالية برونزية أو فضية؟ ولنضع مسألة الفوز بالميداليات جانبا، المهم هو ما هي الخبرة التي سنحققها من خلال إرسالنا فريق إلى الأولمبياد؟ حتى الآن فإن الرياضة التي نستطيع أن نحقق فيها النجاح هي الكرة المائية والرماية، والهوكي والمبارزة. إن فلسطين التي في اعتقادي لها خبرة خمسة وعشرين سنة بأنواع مختلفة من الرياضة عليها أن ترسل فريق من ألعاب القوى وكرة القدم وكرة السلة بالإضافة إلى الأنواع الأخرى التي تم ذكرها. يجب أن تتوحد كل الهياكل الرياضية في فلسطين ، فيبدأ المكابي بالتنافس فيما بينه ، ويجب حث الرياضيين العرب على التعاون ، والمطلوب هو الرياضيون الأفضل في كل نوع من أنواع الرياضة ، وإذا كانت اللجنة الأولمبية الفلسطينية موجودة فعليها أن تنهض من سباتها".[11]
    
   إن أول ما يجول بخاطر قارئ هذه السطور هو أولا: وكأن العرب كانوا أعضاء فعالين في اللجنة الأولمبية ، ثانيا: محاولة إظهار وكأن هناك تعاون وثيق وحسن نية من الجانب اليهودي تجاه الجانب العربي من أجل المشاركة في الألعاب الأولمبية. هذا عكس ما كان ينشر في الصحف اليهودية بالعبرية ، فهذه الصحيفة التي كانت تشعر بالخجل من الانجليز وتتملق لهم تريد أن توحي لقرائهم حرصها على مشاركة جميع الأطراف في الألعاب الأولمبية.[12]  فالصهيونية من جهة كانت تستخدم الرياضة من أجل تحقيق أهدافها السياسية محاولة الهيمنة على الحركة الرياضة وتهميش العرب من الساحة الرياضية ، ومن جهة أخرى كانت توحي للعالم بأنه هناك فصل بين الرياضة والسياسية وأنها كانت تسعى دائما من أجل التعاون مع العرب. 
     في الوقت الذي أصبحت به الحركة الرياضية أكثر تنظيما خاصة بعد إعادة تشكيل الاتحاد الرياضي العربي الفلسطيني في أيلول 1944،  أخذت تتبلور الكثير من الأمور على صعيد العلاقات مع الجانب اليهودي ومحاولات الجانب العربي في التصدي للهيمنة الصهيونية على الحركة الرياضة ، وجه خير الدين أبو الجبين محرر زاوية (الدفاع) الرياضية  انتقادا جريئا بعد أن تلقى السكرتير العام لحكومة فلسطين دعوة رسمية لاشتراك فلسطين في الألعاب الأولمبية التي كان مزمع إقامتها في عام 1948 وقد حول "سعادته" الطلب إلى اللجنة الأولمبية الفلسطينية (التي كان يهيمن عليها اليهود) متسائلاً "ممن تتكون هذه اللجنة؟ هل للعرب نصيب فيها ؟ أم أن اليهود وحدهم هم الذين سيمثلون فلسطين في هذه الألعاب الدولية التي يحق للعرب أن يطالبوا بحقهم في الاشتراك فيها لأنهم يمثلون أغلبية السكان في هذه البلاد".[13]

   كان الملاكم الفلسطيني المعروف أديب الدسوقي على يقين بأنه لو شاركت فلسطين في الألعاب الأولمبية فإن باستطاعته تحقيق الفوز، لذا فقد أبدى اهتمامه لأن تشارك فلسطين (العربية) في الألعاب الأولمبية  فتحت عنوان (موقفنا من الدورة الأولمبية)  جاء في صحيفة (فلسطين) "جاءنا من السيد أديب الدسوقي بطل فلسطين في الملاكمة كتاب يقول فيه ان الأمم المختلفة بدأت تعد العدة وتستعد للاشتراك في الدورة الأولمبية القادمة. ثم تساءل هل بدأت هيئاتنا في الاستعداد للاشتراك في هذه الدورة...! ".[14]  ولكن للأسف أن الجهات المسؤولة  وخاصة الهيئة العربية العليا (التي كان اهتمامها منصبا على النضال الوطني والسياسي) لم تعر الرياضة اهتماما كبير ولم تدرك أهمية النشاط الرياضي كعنصر هام من عناصر الثقافة ، لذا فهي لم تستخدمه في نظامها الأيديولوجي ولو بشكل جزئي من أجل إحباط المشاريع الصهيونية ، كما أنه لم يكن بينها وبين الاتحاد الرياضي الفلسطيني تنسيق ودعم كبير. إن هذا الدعم الذي قدمته للرياضة اقتصر على بعض الدعم المالي للأندية وعلى رعاية الوجوه الاجتماعية والسياسية للمباريات وللاحتفالات الرياضية.

1962- 1967
في عام 1962 تأسس الاتحاد الرياضي الفلسطيني في قطاع غزة وفوراً سعى العاملون فيه إلى تشكيل الاتحادات الرياضية المختلفة واللجنة الأولمبية الفلسطينية التي أرسلت طلباً للانضمام إلى اللجنة الأولمبية الدولية مرفقة فيه كل متطلبات اللجنة الدولية  ، ولكن هذا الطلب تعثر بثلاث عقبات أولاً : أن اللجنة الأولمبية الدولية تشترط في قانونها الداخلي من أجل ضم أي لجنة أولمبية لأي بلد أن تكون هناك خمسة اتحادات رياضية (لهذا البلد) منضمة إلى الاتحادات الدولية ، وهذا ما لم يكن يوجد لدى فلسطين. كما أن بعض الاتحادات الدولية اعتبرت أن الاتحادات الرياضية الفلسطينية لم تكن تحوي عددا كبيرا من اللاعبين والأندية. ثانيا: اعتبرت اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات الرياضية الدولية الأخرى أنه ليس هناك دولة اسمها فلسطين (بعد الاستشارة مع الأمم المتحدة) وأن الوضع القانوني لقطاع غزة هو أنه خاضع للإدارة المصرية ولا يشكل دولة مستقلة بحد ذاتها. ثالثا ، ومن البديهي أيضا أن التحيز الذي أظهرته الكثير من الدول تجاه إسرائيل ، ومحاولة إسرائيل نفسها عرقلة كل المحاولات من أجل الاعتراف باللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية الفلسطينية كان عاملاً هاما في هذا الشأن.
1969 – وقتنا الحاضر
    في عام 1969 قامت منظمة التحرير الفلسطينية بتأسس المجلس الأعلى لرعاية الشباب ، وفي مؤتمره الأول في بيروت في عام 1974 قرر المجلس تغييرالاسم إلى المجلس الأعلى للشباب والرياضة. وقد أسس هذا المجلس فروعا له في العديد من الدول العربية في لبنان وسوريا والعراق والكويت وقطر والسعودية والإمارات. وبالرغم من أن اللجنة الأولمبية الفلسطينية لم تكن ضمن هيكلية المجلس الأعلى للشباب والرياضة بشكل رسمي إلا أنها كانت تتبع وبشكل مباشر للمكتب التنفيذي للشباب والرياضة وكانت تدار من قبل اعضائه . في عام 1975 وخلال اجتماعات اللجنة المنبثقة عن المجلس الاعلى للشباب والرياضة تم اتخاذ قرار إعلان اللجنة الأولمبية الفلسطينية وطلب من المكتب التنفيذي إعداد مشروع للنظام الأساسي على أن تعرض على أول مؤتمر للمجلس لإقراره. بدأت اللجنة الأولمبية تحركها باتجاه الاتحاد العربي الذي شكل عام 1976 وفي اجتماعات الاتحاد التي عقدت بالكويت عام 1987 قبلت فلسطين في عضوية الاتحاد العربي للألعاب الرياضية ممثلة بأحمد القدوة رئيس المجلس ورئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية.[15]

    من الواضح أن وضع النظام الداخلي والقانون الأساسي كان يهدف بشكل أساسي إلى تقديم قبول فلسطين إلى عضوية اللجنة الأولمبية الدولية. وكان أول طلب تقدمت به فلسطين لعضوية اللجنة الأولمبية الدولية عام 1979 وكان العائق الأساسي الذي يحول دون قبول فلسطين في اللجنة الأولمبية الدولية وجود نص يشير إلى وجوب أن يرمز الاسم الذي تتخذه اللجنة الأولمبية الأهلية إلى المساحة الإقليمية والمعترف فيها للدولة وأن تقره اللجنة الأولمبية الدولية. ومن الطبيعي أن يعقد هذا النص موضوع عضوية فلسطين نتيجة الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني من تشرد واغتصاب. وهذا ما حدث أيضا خلال محاولات طلب عضوية الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في المرات الأربع.  
    
    في عام 1980 وخلال دورة الألعاب الأولمبية في موسكو تقدمت فلسطين بطلب العضوية، غير أن رأي الوفد الفلسطيني الذي شارك في الأولمبياد من خلال الاتحادات الرياضية استقر على تأجيل الطلب وتم ذلك بناء على اقتراح من رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي. ولم يلق هذا الطلب الموافقة المرجوة.
في عام 1982 أعيد تشكيل اللجنة الأولمبية الفلسطينية بعد الخروج من بيروت وعمم التشكيل على اللجان الأولمبية العربية والدولية. وأصبح مقر اللجنة في سوريا، ومن ثم انتقل إلى تونس.في عام 1983 أعيد تشكيل اللجنة الأولمبية الفلسطينية بعد الخروج من بيروت وعمم التشكيل على اللجان الأولمبية العربية والدولية. وأصبح مقر اللجنة في سوريا، ومن ثم انتقلت إلى تونس. وعلى الرغم من الأوضاع الجديدة واصلت اللجنة الأولمبية سعيها للإنتساب إلى اللجنة الأولمبية الدولية في عام 1984 خلال الدورة الأولمبية في لوس انجلوس في الولايات المتحدة. فيما بعد وجهت دعوات لرؤساء الاتحادات الرياضية الفلسطينية الأعضاء في الاتحادات الدولية لحضور اجتماعات الجمعية العمومية للاتحادات الرياضية. ولم يتمكن أعضاء الوفد في البداية من الحصول على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة بالرغم من الدعوات الرسمية الموجهة لهم من الاتحادات الدولية ، غير أن التحرك الذي أبداه رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي، نجح في إقناع اللجنة المنظمة والسفارة الأمريكية في الكويت من منح تأشيرات الدخول للوفد إلى الولايات المتحدة. [16]  وحال وصوله بدأ الوفد الفلسطيني التحرك بعدة اتجاهات ، من أهمها اجتماعات الجمعيات العمومية للاتحادات الدولية مثل إجراء اللقاءات والمقابلات الصحفية مع أجهزة الإعلام المختلفة ، بالإضافة إلى الاطلاع على أسلوب إدارة الدورة والالتقاء بمندوبي الدول المشاركة. ولكن هذا لم يساعد في قبول فلسطين عضوا في اللجنة الأولمبية الدولية. إلا أنها في عام 1986 قبلت في عضوية المجلس الأولمبي الآسيوي خلال الدورة الآسيوية في سيئول ، فرض عليها هذا التواجد في أن يكون لها مركز خاص بها ، ولكن فيما بعد تم حل هذا الإشكال عندما أعطى عدي صدام حسين موافقته بمنح مقر للجنة الأولمبية الفلسطينية في بغداد في مقر النادي الفلسطيني هناك.
 
   استمر سعي فلسطين من أجل الانضمام للجنة الأولمبية الدولية وتشير الوثائق إلى الرسائل العديدة  التي ارسلتها  اللجنة الأولمبية الفلسطينية للجنة الدولية وكانت احدى هذه الرسائل تنص على:

"إن اللجنة الأولمبية التحضيرية تأسست لتمثل كل الاتحادات الفلسطينية الأعضاء في الاتحادات الدولية ، لغرض متابعة الخطوات لإنجاز عضوية اللجنة الأولمبية لتتأهل لعضوية اللجنة الدولية. منذ سنة 1970 أرسلنا استمارة إلى اللجنة الأولمبية ولحد الآن لم نتلق أي رد. أن اتحاداتنا شاركت في أكثر من حالة في الاتحاد الدولية. وكذلك في الاتحاد الآسيوي ولم يحصل أية حادثة ازعاج أو تكدر ، وكل اتحاداتنا شاركت في تطوير الرياضة بمشاعر انسانية وروح رياضية عالية ، ونأمل للاستمارة المقدمة لكم أن تؤخذ بنظر الاعتبار."

      ولكن كل هذه المساعي لم تنجح. بالطبع يعود ذلك إلى عدة عوامل من أهمها خضوع اللجنة الدولية للضغوطات وخاصة من الجانب الإسرائيلي والغربي المؤيد لإسرائيل ، أيضا أن الجو المهيمن على اللجنة الدولية كان مساندا لإسرائيل ومصرا على مواقفه السلبية تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. في عام 1989 بدأت اللجنة تحرك آخر ولكن في اتجاه اوروبا وذلك من خلال الاتحاد الرياضي لعمال فرنسا والاتحاد الايطالي للرياضة الشعبية وذلك من أجل إقامة حملة تضامن من أجل قبول فلسطين في عضوية اللجنة الأولمبية الدولية ، فتم إرسال المنتخب الفلسطيني لكرة القدم لإجراء عدد من اللقاءات مع الفرق في البلدين وكان ذلك بمناسبة انعقاد اجتماعات فينا  Viennaللجنة الأولمبية الدولية عام 1989. وقد أعلن رئيس الاتحاد الايطالي للرياضة الشعبية أن عددا من مشاهير الرياضيين الإيطاليين وقعوا على عريضة تطالب اللجنة الدولية بإعطاء فلسطين مقعدها المشروع خصوصا بعد إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة في الجزائر. ولكن للأسف أن هذه المساعي لم تنجح في حمل اللجنة الأولمبية الدولية على الاعتراف باللجنة اللأولمبية الفلسطينية. وفي عام 1990 تلقت اللجنة الأولمبية الفلسطنية دعوة رسمية للمشاركة في الدورة الآسيوية في الصين عام 1990 ومثل فلسطين كل من أحمد القدوة وربيع الترك وفريق عبد السيد. وفي عام عام 1993 حصلت فلسطين على الاعتراف المؤقت من اللجنة الأولمبية الدولية. وقد شكل هذا الاعتراف لفلسطين البداية لدخول المجال الدولي مما ساهم في مشاركتها في أولمبياد أتلنتا في الولايات المتحدة. [17]

      لا شك ان الاعتراف المؤقت من قبل اللجنة الأولمبية الدولية في عام 1993 كان داعما للمساعي التي كان يقوم بها الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ، ومن الجدير بالذكر أن سعي الأخير للانضمام للاتحاد الدولي لكرة القدم بدأ منذ عام 1946 واستمر لمحاولات ثلاثة أخرى ولكن دون جدوى ، وكان السبب الرئيسي وراء هذا الرفض هو أن فلسطين ليس لها وضعا قانونيا إقليميا.  ولكن هذه المحاولات لم تثن من عزيمة وطموح الفلسطينيين ففي رسالة من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى رئيس الفيفا جوا هفلانش مؤرخة في العشرين من تشرين الثاني عام 1993 جاء فيها:

    منذ وقت طويل كان الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطمح بالانضمام الى الاتحاد الدولي لكرة القدم . إن كرة القدم كانت دائما تمارس في فلسطين ، وفرقنا معروفة بحسن تدريبها وتنظيمها في المنطقة. وقبل هذا الوقت لم يقبل طلبنا للانضمام للاتحاد الدولي لكرة القدم بسبب وضعنا القانوني في اللجنة الأولمبية الدولية. في السابع والعشرين من عام 1993 أصبحنا رسميا أعضاء في اللجنة الأولمبية الدولية. يرغب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أن ينضم للاتحاد الدولي لكرة وأن يصبح عضو فعال بأسرع وقت ممكن. [18]

     شاركت فلسطين لأول مرة في  الألعاب الأولمبية في اتلنتا في الولايات المتحدة في عام 1996ثم في عام 2000، 2004، 2008، وكان آخرها في اولمبياد لندن في عام 2012. في آب 2009 أصبح اللواء جبريل الرجوب رئيسا لهذه اللجنة حتى وقتنا الحاضر بالإضافة إلى توليه مهمة رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. وقد شهدت الرياضة الفلسطينية تطورا ملحوظا رغم العقبات التي يضعها الاحتلال البغيض وذلك بسبب الانضمام إلى اللجنة الأولمبية الدولية وإلى الاتحاد الدولي لكرة القدم ، بالإضافة إلى جهود القيادات الرياضية الحثيثة والتفاف الأندية والجماهير الرياضية حولها.



[1]  بدأت الأندية الرياضية اليهودية في فلسطين منذ بداية العشرينيات مثل منظمة (المكابي و الهابوعيل والبيتار) التي ركزت نشاطاتها في  المستعمرات الصهيونية وكانت تتخذ من الرياضة غطاء لنشاطاتها العسكرية والسياسية والعمالية ، كما وسعت هذه المنظمات إلى الهيمنة على الساحة الرياضية وتمثيل فلسطين على الصعيد المحلي والدولي. وقد كان تباري الملاكمين الفلسطينيين مع رياضييها في العشرينيات هو بمثابة تحد وإثبات وجود.
[2]  Kaufman, Haim. Jewish Sports in the Diaspora, Yishuv, and Israel: Between Nationalism and Politics Israel Studies - Volume 10, Number 2, Summer 2005, pp. 147-167
[3]  Kaufman, Haim. Jewish Sports in the Diaspora, Yishuv, and Israel: Between Nationalism and Politics Israel Studies - Volume 10, Number 2, Summer 2005, pp. 147-167
 للأسف  أن نرى الكثير من المواقع الالكترونية العربية تشير إلى أن فلسطين تبارت في كأس العالم مع مصر في عام 1934 واليونان عام 1938، غير واعين  أن فلسطين العربية لم تتبار مع مصر بل الذين تباروا مع مصر هم اليهود الذين مثلوا فلسطين لتظهر "يهودية" أمام العالم، وكان الفريقان اللذان شكلا من أجل ذلك يخلوان من أي لاعب عربي فلسطيني.
[4]خالد عجاوي (الحركة الرياضية الفلسطينية في الشتات)، الدار الوطنية الجديدة ، دمشق ، 2001، ص 57-60.   
[5] نفس المصدر    
[6]   عصام الخالدي ، الصهيونية والحركة الرياضية في فلسطين ، مجلة العربي ، تشرين الثاني ، العدد 588 ، ص.84 – 88.
    لم تستطع هذه اللجنة المشاركة في الدورة الأولمبية في برلين عام 1936 كما هو معروف كما توقفت الألعاب الاولمبية لمدة دورتين بسبب قيام الحرب العالمية الثانية ولم تستأنف إلا في عام 1948 حيث لم تشجع أحداث ذلك العام الفلسطينيين الدخول في أية مشاركة في الاولمبياد.
[7]    المكابياد (المكابياه) هو مهرجان على نمط  الألعاب الأولمبية أقامه اليهود في تل أبيب في عامي 1932 و 1935.
[8]  Palestine Bulletin, 5 May 1932.
[9]  للأسف أن كثير من المعلومات غير متوفرة لدى الكاتب عن هذا الموضوع، المصدران الأساسيان اللذان اعتمد عليها الكاتب هما صحيفتا (فلسطين) و(الدفاع) بالإضافة إلى بعض المواقع الالكترونية.
[10]   صحيفة (الدفاع) 15 حزيران 1935
[11]  Palestine Post, 22 March 1946.       من المعلوم أن هذه الصحيفة كان انتماؤها صهيوني ولكنها كانت تخاطب المتكلمين بالانجليزية وخاصة أفراد الانتداب البريطاني بلغة مختلفة عن الصحف الصهيونية بالعبرية.
[12]  ليست هناك معلومات كافية عن مدى فعالية اللجنة الفلسطينية الأولمبية ولكن من المعلوم أنها كانت تحت إشراف وهيمنة يهودية كاملة.
[13]   صحيفة (الدفاع) 28 أيار 1947
[14]  صحيفة (فلسطين) 23  آب 1946  
[15]  قصي الماضي ، الحركة الرياضية والشبابية والكشفية الفلسطينية من 1917 – 1993. اطروحة ماجستر ، بغداد 1994. ص. 153.
[16]  نفس المصدر ، ص. 156.
[17] نفس المصدر . ص. 157 
[18] رسالة من الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم مؤرخة في 14 حزيران 1998 ، من أرشيف الفيفا ، زيورخ. 


   

No comments:

Post a Comment