عصام
الخالدي
إن ما يجعلني أتردد في كتابة هذا المقال هو حالة التشاؤل (مزيج من
التشاؤم والتفاؤل) التي يشعر بها الكثيرين من عدم التزام إسرائيل بوقف إطلق النار ،
وعودة حرب الإبادة إلى القطاع واستمرار نكبات اهلنا هناك.
إن السؤالين الذين يطرحان نفسهما الآن على
الصعيد الرياضي في قطاع غزة هما أولا: هل سيكون من السهل إعادة بناء ما تدمر من
البنية الرياضية التحتية؟ ثانيا: هل ستعود الرياضة في قطاع غزة كما كانت عليه من
قبل بعد سقوط أكثر من ألف شهيد رياضي وقيادي رياضي وتدمير كامل للبنية التحتية
الرياضية؟
بالطبع الإجابة
على هذين السؤالين صعبة ومعقدة لأن عودة الرياضة إلى ما كانت عليه يعتمد على عدة
عوامل والتي أهمها الظروف السياسية والاستقرار الأمني والتنظيم الإداري وآلية
ووتيرة عملية إعادة الإعمار.[1]
أيضًا فإن مسألة عودة
النشاط الرياضي مرتبط بعودة قطاع التعليم المدرسي والجامعي والقطاع الصحي
والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وكل القطاعات الأخرى إلى ما كانت عليه قبل السابع
من أكتوبر 2023. ولكل من هذه القطاعات بما فيها القطاع الرياضي ميزاته الخاصة في
التعافي والعودة للوضع الذي كان عليه قبل حرب الإبادة. ومن الجدير بالذكر الدمار
الذي الحقه الاحتلال خلال عدوانه في الأعوام 2008 – 2009 ، 2012 ، 2014 ، 2021 والذي كان يستهدف البنية التحتية الرياضية حيث دمر جزء منها آنذاك ، بالإضافة إلى عرقلة
حركة الرياضيين واستهدافهم.
من
أجل التنبؤ لما ستكون عليه الرياضة الفلسطينية مستقبلا في قطاع غزة يتحتم علينا أن نعتمد على بعض الحقائق والمعطيات
(سلبية وإيجابية) على أرض الواقع والتي بعضها يجعلنا نشعر بقلق شديد:
أولًا: رغم أنه حتى وقتنا الحاضر لا يوجد هناك حصر وإحصاء شامل لحجم
الدمار في البنية التحتية الرياضية في قطاع غزة ، إلا ان هذا الدمار كان هائلًا
فقد شمل أبنية الأندية والملاعب والمنشآت الرياضية وغيرها التي كانت مستهدفة من
قبل الاحتلال. ويقدر حجم الخسائر في القطاع الرياضي بمئات الملايين من الدولارات. [2] ثانيا: استشهاد
ما يقارب من الألف شهيد من الرياضيين والإداريين الرياضيين ، وهذا عدد ليس بالقليل
مقارنة مع عدد الرياضيين والإداريين في القطاع (الذين بقوا على قيد الحياة). ثالثا:
بين الرياضيين من يعاني من الإصابات البدنية بما فيها بتر الأطراف والتي لها آثار
سلبية على الرياضة الفلسطينية. رابعًا: معظم الرياضيين بحاجة إلى استعادة المهارات
التي تأثرت بفعل الانقطاع عن التدريب والمنافسات ، هذا بالإضافة إلى استعادة
الشفاء خاصة بعد فترة المجاعة ونقص الغذاء والمعاناة البدنية والنفسية التي مروا
بها والتي بالتأكيد سوف تترك آثارها على المدى القريب والبعيد .
أيضًا يجب الاشارة إلى
نقطة هامة وهي أنه من المعروف جيدا أن الرياضة المدرسية تشكل جزء هاما من الحركة
الرياضية الفلسطينية ، وتظهِر البيانات الفلسطينية أن العدوان الإسرائيلي أدى أيضا
إلى تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة . [3]
وكثير من هذه المدارس تابع لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين (أونروا AUNRW) التي دمرت ساحاتها الرياضية وبناياتها التي أصبحت
عند بدء حرب الإبادة مآوٍ للنازحين) .
لذلك فإن تعافي القطاع التعليمي في القطاع بدوره سوف يساعد في انتعاش الحركة
الرياضية ، ناهيك عن أن الرياضة المدرسية كانت دائما حاضنة الرياضة الفلسطينية
التي يتخرج منها دائما كبار الرياضيين الفلسطينيين.
ومن جهة أخرى هناك بعض الأمور الإيجابية التي ممكن أن يعول عليها والتي تجعلنا نشعر بالتفاؤل ، وهي أولا: ما
يتميز به الشعب الفلسطيني هو مرونتة في العودة للوضع ما قبل الضربات القاسية . ثانيًا:
الرياضة في قطاع غزة لها تاريخ وجذور تمتد إلى عقود عدة من الزمن مما يجعلنا نجزم
بأن استعادة شفاء الحركة الرياضية في قطاع غزة سوف تكون صعبة ولكن لن تكون مستحيلة.
ثالثا: لقد علمتنا التجارب السابقة أنه في
ظل الحصار الذي فرض على القطاع كان هناك تراجع في النمو الرياضي بسبب العراقيل والدمار
الذي الحقه الاحتلال بالبنية التحتية الرياضية إلا أنه لم يعطل مسيرة الحركة
الرياضية هناك. رابعًا: يعتبر هذا الدمار الذي تلحقه إسرائيل بالرياضة الفلسطينية ،
بمثابة مصدر إلهام للرياضة الفلسطينية لتظل قادرة على المنافسة في المستقبل ، وما زال
هذا الطموح بتحقيق الحلم الرياضي الذي تأثر بشكل كبير بعامل حرب الإبادة موجوداً ،
فحرب الإبادة لم تستطع القضاء على رغبات وأماني وطموح الشباب الفلسطيني. خامسًا:
سوف يكون للتعاطف والدعم العربي والدولي مع معاناة شعبنا في القطاع دور كبير في
إعادة بناء الحركة الرياضية الفلسطينية وبنيتها التحتية هناك.
تؤكد لنا التجارب السابقة
أن الرياضة الفلسطينية تتميز بالقدرة على الصمود والتعافي بسرعة من الصعوبات ،
وهذا ما رأيناه في قطاع غزة بعد النكبة ، أيضا بعد قبول فلسطين في عضوية الاتحاد
الدولي لكرة القدم كان ترتيب فلسطين في الفيفا عام 1999 (اي بعد قبولها في الفيفا
بعام واحد - 1998) 191 ، ليرتفع إلى المرتبة 73
في عام 2018 ، ويصل في وقتنا
الحاضر إلى المرتبة 94. ولقد نجح منتخب فلسطين الأول لكرة القدم في الوصول إلى الدور
الثاني من بطولة كأس آسيا في قطر 2023 لأول مرة في تاريخه، والوصول إلى الدور
الثالث من تصفيات كأس العالم لأول مرّة في تاريخه أيضاً . وكان من المتوقع أن يشارك
في كأس العالم ٢٠٢٦ ، ولكن للأسف فقد خسر أمام عُمان التي سجلت هدف الفوز في
الدقيقة ٩٧ من المباراة. وشاركت فلسطين بأكبر بعثة رياضيّة في تاريخها خلال
أولمبياد باريس 2024 ، التي تأهل إليها اللاعب عمر إسماعيل حنتولي ، في لعبة
التايكواندو ، كثاني لاعب فلسطيني يضمن الحضور في الأولمبياد عن طريق التصفيات
والنقاط تاريخياً. وفي أكتوبر ٢٠٢٤، أصبحت ماريان بشارات أول فلسطينية تفوز ببطولة
العالم للكاراتيه في نهائي وزن +٦١ كجم.
وفي الختام فإن عودة الرياضة إلى ما كانت عليه هي عملية صعبة وتحتاج
إلى وقت وجهود كبيرة وظروف ملائمة ولكنها ليست مستحيلة ، فمن البديهي أن التطور الرياضي في القطاع مرتبط بعوامل شتى
اهمها إنهاء الاحتلال وإعادة الإعمار والاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي . أيضا
من الصعب فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية لأن الرياضة في القطاع هي جزء لا يتجزأ من
الرياضة الفلسطينية بشكل عام ، والمراد
في النهاية (بعد إنهاء الاحتلال) هو دمج كامل للرياضة في القطاع والضفة تحت إدارة
رياضية واحدة في ظل حكومة فلسطينية واحدة تضم جميع الفصائل الفلسطينية.
[1]
يشير موقع فخاخ وتفاصيل معقدة.. هل تنجح الجهود الدولية في
إعادة إعمار غزة؟ | إرم نيوز
إلى أن عملية إعادة الإعمار تقسم
مبدئيًا إلى 3 مراحل، الأولى التعافي عبر تحسين الأوضاع وتهيئة البنية التحتية
وتوصيل الخدمات الرئيسية من المياه والكهرباء وشبكات الصرف، ثم المرحلة الثانية
التي تنطلق من تشييد ما تضرر جزئيًا من مبانٍ ومنشآت خلال الحرب وهي عملية
"الترميم". أما المرحلة
الثالثة ستُخصّص لإعادة بناء المنشآت التي دُمّرت بالكامل وهي كبيرة في ظل تدمير
مدن غزة وخان يونس وشمال القطاع وأجزاء كبيرة من أحياء مدينة غزة، وسط تقديرات
زمنية تتحدث عن مدة من 10 إلى 15 عامًا لإعادة الإعمار بصورة كاملة في ظل الدمار
الهائل.

No comments:
Post a Comment